شريف صالح يكتب : رجاء الجداوي.. أن تكسب حياتك بـ لطف
شريف صالح يكتب : رجاء الجداوي.. أن تكسب حياتك ب “لطف”
• في ناس لما بنحب نوصفها نقول إنها “تنحط ع الجرح يطيب” ونقول “دي زي النسمة”. تقريبا دي خلاصة رحلة رجاء الجداوي.
• لا يمكن نقيم تجربتها الفنية بمعزل عن أسطورة تحية كاريوكا. تحية ماكنتش مجرد خالة، كانت الأم لها.
مع الفرق تحية هربت من الإسماعيلية “مضروبة” في معركة مصيرية “يا تكون حاجة عظيمة يا تلاقي نفسها طفلة شوارع”.
لكن “نجاة” أو “رجاء الجداوي” نزلت مصر في كنف خالة مشهورة، ثرية. ساعدتها تتعلم كويس، وتاخد فرصة في التمثيل.
• رجاء كانت واعية كويس إنها لا يمكن توضع في مقارنة معاها.. لا من ناحية الجمال، ولا حجم الموهبة.
ودي مسألة ممكن تقلب لكراهية، أو أزمة نفسية.. بس حبها لخالتها سهل قبول الفجوة دي..
وعصمها من محاولة التماهي “العبيط” معاها زي ما بيحصل مع ناس تانية.. فما فيش الظلال السلبية اللي نلاقيها مثلا في علاقة هيثم بوالده أحمد زكي.
• بالعكس استثمرت رجاء في الفروق دي. فتحية صريحة إلى درجة جارحة.. تخسر بسهولة.. مندفعة.. عاطفية..
ففضلت رجاء تكون عكسها دبلوماسية.. عقلانية.. لطيفة.. وما تخسرش حد بسهولة.
• كمان تحية عاشت تراجيديات مع أزواجها ورجالها اللي يناهزوا خمسة عشر رجلًا.. في حين اكتفت رجاء بزيجة واحدة.
ونقطة التشابه إنه رجاء خلفت بنت واحدة، وتحية اتبنت رجاء نفسها كبنت .. ولما كبرت في السن اتبنت فعلا طفلة.
• تحية اتعودت تكون الاسم الأول في التتر.. في حين رجاء رضيت أنه اسمها يظهر في أي مكان في التتر.
• الشيء الوحيد اللي اتفوقت فيه رجاء لما حصلت على لقب “ملكة جمال”. وغالبا تم منحها اللقب مش لجمالها اللافت، بقدر ما كان تشجيع لفكرة “وجه مصري” ويمكن بصوا لفكرة الأناقة وطريقة تقديمها لجسدها مش للجسد نفسه.
• تحية (84 سنة) في شبابها كانت أنيقة، بس للأسف جسمها شاخ بسرعة، وترهل..
ودا تماشى مع ميلها لارتداء ملابس شعبية. ورغم أنه رجاء (82 سنة) تشابهت معها نسبيا في الامتلاء والبدانة (بعد الرشاقة) ..
لكنها حافظت لآخر لحظة على فكرة الأناقة.. في النقطة دي مش بس كانت عكس خالتها..
كانت عكس عقارب الزمن والعصر في مصر كلها.. مع موجة النقاب الأسود، والجينز، وأردا أنواع الملابس. حافظت على أنها تظل لآخر لحظة رمز للأناقة.
• “الأناقة” عندها ماكنش مجرد تناسق ألوان دافية ومبهجة، ولا تسريحة شعر مميزة حافظت عليها لعقود..
كانت أناقة روح.. اللسان الحلو، والحضور اللطيف . وماكنتش بتعمل دا حركات قدام الكاميرا. ولا لكسب جمهور..
دي كانت شخصيتها. مع زمايلها.. ومع كل اللي بتتعامل معاهم.. ودا يبان جدا في حرصها الشديد دايما في تعزية أي زميل وزميلة عند الوفاة..
دايما هاتلاقيها حاضرة، في زي الحداد، وبمنتهى الشياكة. لأن واجب العزاء جزء من “الذوق” و”الأناقة”.
• حياة تحية وبنت أختها، ماكنتش بعيدة عن الدين.. واللي طقوسه بتبان أكتر مع الشيخوخة.. (مش معناه إنه ماكنش موجود قبل كدا)..
بس مع تقدم السن بتبان الرحلة على وشك النهاية.. وعلى عادتنا الفرعونية نبدأ نجهز “الزاد والزواد” للرحلة الأخروية..
ودا يبان بوضوح في خيرية الشخصيتين.. والحرص على مناسك الحج والعمرة.
وهنا يظل في فارق.. تحية مالت أكتر لمظاهر التدين (المصحف والحجاب والجلابية البيضا) لكن رجاء تحاشت دا نسبيًا.. واهتمت أكتر بالقيمة الروحية مش الطقسية.
• تحية عاشت حياتها سلسلة من المعارك وصلت للسجن.. والفلس والطرد من بيتها.. والنصب عليها..
رجاء اتعلمت الدرس وخاضت حياتها كلها بلا معارك تقريبا.
• رجاء بدأت السينما في أواخر جيل بيضم أسماء تقيلة جدا، زي فاتن حمامة وشادية وهند رستم..
وجاء بعدها بشوية أسماء زي سعاد حسني.. والطبيعي كل ممثلة بتحط لنفسها سلم وهمي وتحاول صعود دراجاته..
لكن الصراع دا مش باين قوي في شخصية رجاء.. فهي لا بتخترع إشاعات عن نفسها.. ولا بتدور على بطولة فيلم..
عاشت كل تجاربها في الظل. في مساحة هادية وصغيرة.. زي اللي قرر يكتفي من الدنيا بالبلكونة بتاعته وكوباية شاي
.
• ماكنتش فاشلة، ولا الأضواء ابتعدت عنها.. بالعكس ظلت حاضرة جدا وحققت رقم قياسي من الأعمال يزيد عن 350 عمل..
وفي بداياتها مثلا شاركت في أعمال مهمة زي “إشاعة حب”.. و “دعاء الكروان”..
بس كانت في “الظل” اللي صعب تتصور الشمس من غيره.. بس في نفس الوقت مش بتاخد بالك منه..
تطلع جنب سعاد حسني أو تقول جملتين.. بس مش لدرجة أنك هاتهتم تعرف اسمها.
• ماكنش النجاح هو اللي شاغلها.. ولا إنها تطلع “الأولى على الفصل”.. قد ما كانت قانعة بأنها في مهنة بتحبها، وبتجتهد في المساحة المتاحة..
في النقطة دي تشبه شوية حسن حسني.. ودا اللي خلا ممثل زي عادل إمام يثق فيها في أفلامه ومسرحياته.
لأنها هاتعطي له بالضبط اللي هو عاوزه، ومش هاتعمله أي مشاكل من أي نوع.
• ودا معناه إنك ممكن ماتباقش خارق الجمال.. ولا صاحب موهبة عظيمة بتاكل روحك..
بس تقدر تنجح جدًا.. وتسيب ذكرى طيبة جدا.. وممكن جدًا تكسب حياتك كلها ب “اللطف”.
وتعشيها فعلا زي “النسمة” بأقل قدر من الأذى لنفسك.. وللآخرين كمان. بأقل قدر من الطمع والأنانية والعدوانية.
• ولفت نظري، مفارقة أنها اتولدت في الإسماعيلية مسقط رأسها، ولما أصيبت بكورونا اتحجزت واتوفت في الإسماعيلية.. وأنا بصدق العلامات دي.. اللي بتكتمل فيها الرحلة، ونقطة النهاية تقابل نقطة البداية. وهانلاقي إنه رجاء بدأت وعاشت رحلتها ب “اللطف” وختمتها ب “الرضا”.