تحقيق : انتفاضة فنية ضد التطبيع .. مهرجان الجونة يتحدى اتحاد النقابات ويقضي على مجهود سعد الدين وهبة
انتفاضة فنية ضد التطبيع .. مهرجان الجونة يتحدى اتحاد النقابات ويقضي على مجهود سعد الدين وهبة
حينما سجل ووثق السينمائي الكبير سعد الدين وهبة اجتماع جمعه بكبار السينمائيين والمثقفين في صيف 1979 للوقوف في
وجه المد الصهيوني، لم يكن يتخيل أحد وقتها ان هذا الاتفاق لن يكن له صدى بعد أربعون عاما !
كان أول قرار اتخذه وقتها حينما انتخب نقيبًا للسينمائيين ورئيسًا لاتحاد النقابات الفنية لدورتين متتاليتين من 1979 حتى 1988،
هو مقاطعة أى عضو يسافر إلى إسرائيل أو يتعاون معهم، حتى مجرد الذهاب إلى غزة أو أريحا اعتبره مسألة تعاكس الوطنية.
فى 11 نوفمبر 1997 زفت الإذاعة الإسرائيلية خبرًا سارًا لأصدقائها وأعوانها، صادمًا لرافضى التطبيع مع الكيان الصهيوني:
“لقد رحل الكاتب المصرى والمسرحى سعد الدين وهبة، الذى كان يمنع دائمًا أن يستمتع الشعب المصرى بتكنولوجيا الفن الإسرائيلي
ودرجة الإبهار العالية للسينما الإسرائيلية، وكثيراً ما وقف فى وجه السينمائيين الإسرائيليين، وأعلن ذلك بوضوح من خلال مقالاته، وكتاباته الصحفية فى الصحف المصرية والعربية، وبات من المؤكد أن تشارك السينما الإسرائيلية فى فاعليات مهرجان القاهرة السينمائي، إن لم يكن فى دورته الحالية، فعلى الأقل سيكون فى الدورة القادمة، فالأصدقاء ما زالوا على قيد الحياة”.
الجونة يصر على تكريم ممثل فرنسي ذو سمعة أخلاقية سيئة وداعم للفكر الصهيوني
الأصدقاء اليوم للدولة الاسرائيلية هم المهندسين نجيب وسميح ساويرس، والكاتب انتشال التميمي، وكل المجموعة التي عملت على اختيار ودعم الأسماء التي سيكرمها مهرجان الجونة السينمائي هذا الشهر.
على رأس المكرمين، أعلن الجونة عن استقباله “جيرار دوبارديو” الممثل الفرنسي الذي يحمل أيضاً الجنسية الروسية وكانت له تصريحات سابقة، قال فيها إنه يحب إسرائيل.
مهرجان القاهرة شهد حملة مشابهة العام الماضي من المجموعة نفسها، عندما أعلن عن نيته تكريم المخرج الفرنسي الكبير كلود لولوش، وكانت نتيجتها اعتذار المخرج عن قبول الدعوة. وقبلها موقف مشابه، عام 2014 خلال رئاسة الناقد الراحل سمير فريد، الذي اختار تكريم وزير ثقافة فرنسا الأشهر جاك لانج (رئيس معهد العالم العربي بباريس حالياً) ومنحه جائزة نجيب محفوظ، وواجه هذا القرار اعتراضات كبيرة أشارت إلى توجهاته الصهيونية واتهامه بواقعة اغتصاب أطفال، مما دفع لانج إلى إرسال خطاب للمهرجان يعتذر فيه عن عدم قبول التكريم.
من هو دوبارديو ؟
يُعد دوبارديو البالغ من العمر 72 عاماً، ثروة وطنية في فرنسا. تحول إلى ظاهرة عالمية
ليس فحسب بسبب الموهبة الضخمة التي دفعته إلى صدارة المشهد السينمائي في فرنسا وأوروبا والعالم
بل أيضاً من خلال مواقفه وآرائه وفضائحه الأخلاقية التي كانت مادة دسمة للإعلام على أنواعه.
خياراته لطالما كانت غير اعتيادية، وأخباره فضائح تتناقلها الصحف والمجلات. حتى السجن دخله مرات عدة بسبب جنح متفرقة
في حين حوادث السير التي تسبب بها وهو يقود دراجته النارية لا تُعد ولا تُحصى. الرجل الذي يدّعي أنه يشرب عشر قناني نبيذ يومياً
ضبط أيضاً وهو يتبول في إحدى الطائرات بعدما كانت قد منعته المضيفة من دخول الحمام لحظة الهبوط على المدرج.
من هم المعترضون ؟
فور الاعلان عن تكريم هذا الفنان، أصدر مجموعة من الفنانين بيانا موجها لإدارة مهرجان الجونة السينمائي أشار فيه الى خرق المهرجان
لما أجمعت عليه الجمعية العمومية لاتحاد النقابات الفنية وغالبية فنانى مصر من رفض كل أشكال التطبيع مع العدو الإسرائيلي ومؤيديه
وأشارت الى أن هذا الممثل متهم في قضية أغتصاب في فرنسا مازالت قيد التحقيق.
ولفت الموقعون في البيان “لذلك نعلن شديد رفضنا لهذا التكريم كمواطنين مصريين ونرفض كافة أشكال التطبيع أو المساندة لكل من يدعم إسرائيل حتي تتحرر أرضينا العربية
وان فناني مصر وكل مبدعيها ومثقفيها وكتابها وشعرائها يعلنون رفضهم لما ستقوم به إدارة مهرجان الجونة السينمائى حال تكريمها لهذا الممثل
ويطالبون اإدارة المهرجان بإلغاء هذا التكريم الذي يهين قيم الإنسانية والكرامة.. المجد لمثقفي وفناني مصر ومواطني مصرضد التطبيع مع عدونا الصهيوني.. وتحيا جمهورية مصر العربية”.
ومن بين الموقعين على البيان عدد من السينمائيين والكتاب، منهم : المخرج على بدرخان، المخرج محمد فاضل، الفنانة فردوس عبدالحميد
والمخرج حامد سعيد، الفنان عبد العزيز مخيون، الناقد السينمائى مالك خورى، المخرجة عرب لطفي، الناقدة خيرية البشلاوى، وآخرون.
محمد فاضل : أهلا بالتطبيع بعدما تعاد أرض فلسطين
المخرج محمد فاضل برر موقفه قائلا : من وقت مبكر من بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد وهناك اتفاق واضح بين الجمعيات العمومية والنقابات الفنية في مصر على رفض أي شكل من أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني حتى اعادة حقوق الشعب الفلسطيني، ولو كان الرجل جنسيته فرنسية، فهو محب للقوة المحتلة إسرائيل ويزورها باستمرار كما يصرح تصريحات لصالحها، وهذا المبدأ المثقفين والفنانين متفقين عليه، والموقف مشابه لما حدث العام السابق مع كلود ليلوش وبالفعل مهرجان القاهرة تراجع عن تكريمه.
وأضاف : نعم مصر موقعة معاهدة السلام مع اسرائيل، ولكن اذا لاحظنا الموقف سنجد انه لم يزر أي من رؤساء مصر اسرائيل، ولا توجد زيارات من أي شخصية سياسية لإسرائيل .. اذن الدولة كانت اهدافها سامية لايقاف الحرب واستعادة الارض ..
ولذلك موقف الدولة المصرية واضح جدا، وحينما تعود لحقوق الفلسطينية اهلا بالتطبيع معكم، ولكنكم حتى الان دولة معتدية على أراضي فلسطين بل وتتوسع فيها، ولذلك من حق المثقفين المصريين التعبير عن موقفهم، وطبعا كل فنان وله موقفه في النهاية ..
ولا نتدخل في حرية أحد .. هو حر في التطبيع أو التشيع بأفكار الكيان الصهيوني ولكننا ايضا احرار في عدم تكريمه.
وحول عدم انصياع الجونة : هو قرار الجمعية العمومية، والجهة المخولة بالمنع ربما هي لجنة المهرجانات التي تتبع الوزارة .. وهم لهم حرية تقدير الموقف.
بدرخان : هناك فنانين مواقفهم “مايعة” حتى لا يخسروا “عزومة” يومين في الجونة
أما المخرج علي بدرخان، فعلق : الحقيقة اننا لم نكتشف فجأة انه صهيوني، فهذا الرجل معروف بمواقفه الداعمة للكيان الصهيوني
ولذلك فهو تصرف غريب من الجونة أن يختاروه هو تحديدا للتكريم وهو رجل عليه قضايا اخلاقية في فرنسا ومدان في جريمة اغتصاب
ذلك يحدث رغم ان هناك قرار من اتحاد النقابات من عام 91 برفض أي شكل من اشكال التطبيع لأنه سيضيع القضية الفلسطينية
وحق الشعب الفلسطيني، وخاصة وقت التكالب الحالي من الدول العربية على التطبيع .. فهل مطلوب مننا المشاركة أيضا في هذا المشهد ؟
وحول رد الفعل الذي يراه أنسب للتعامل مع الموقف، قال : الجونة اسمه مهرجان سينما .. وليس مهرجان أي شيء آخر ..
لابد أن يأخذ الفنانين موقفا واضحا من المشاركة في هذا المهرجان، لأن تحدي المهرجان لقرار اتحاد النقابات بمثابة اخلال بقيمة الفنانين أنفسهم
وأنا أرى أن مهرجان الجونة يقووم بهدم قيمة اتحاد النقابات، والمدهش هو ان هناك فنانين مواقفهم حتى غير واضحة
من القضية حتى لا يخسرون “عزومة” يومين في الجونة .. وهي تهافة وسخف ورخص من وجهة نظري.
وأضاف : أعرف أن هذا الرجل ليس اسرائيلي، ولكن الصهيونية مذهب واتجاه، والصهيونية ليست لها علاقة بالجنسية
ولذلك يجب أن لا ننخدع بالانتماءات ونرى الأمور على حقيقتها، ولذلك اتساءل ماذا سنستفيد من دعم هذا التوجه ؟
أنعام محمد علي : على الفنانين المصريين مقاطعة المهرجان
أما المخرجة أنعام محمد علي، فقالت : لم تكن هناك فرصة للتوقيع على بيان الفنانين، ولكني أضم صوتي لصوت المجموعة التي وقعت على البيان
وأرى أن هنا تتجلى أهمية اتحاد النقابات الفنية ، فوزارة الثقافة للأسف لا يمكنها التدخل بسبب أن الدولة مقيدة بمعاهدة رسمية
وأعتقد أنه يجب عليهم استئذان الدولة قبل التعامل مع الموقف، ولذلك يجب أن يكون مصدر الاعتراض مدني وغير رسمي ..
والمفترض حاليا هو مقاطعة المهرجان من جانب الفنانين، وعدم دعمه، ونفس الواجب على الصحافة التي يجب ألا تكتب عن المهرجان
فلو أصر المهرجان على تكريم هذا الفنان، فهو بمثابة تحدي صريح لقرار اتحاد النقابات الفنية المسئول عنه الفنان عمر عبد العزيز.
عكس التيار
في اتجاه مختلف عن الآراء السابقة، كان رأي الكاتب الكبير مصطفى محرم الذي قال :
يجب أن ننتبه أولا لما يحدث حولنا في الوطن العربي، فالدول العربية حاليا مطبعة ومعترفة باسرائيل كدولة
وكون ان هذا الفنان له موالاة لبلد معين، وفي نفس الوقت علاقته ببلدنا طبيعية وليس فيها تجاوز، فما المانع من تكريمه ؟
لا يجب أن نكن متشددين ومتحاملين، خاصة وأننا اصلا نسير في طريق التطبيع وتغيير العلاقات مع اسرائيل، وقد يتغير المشهد بالكامل قريبا.
مصطفى محرم : الوطن العربي كله معترف باسرائيل ولا يجب أن نقابل العداء بالعداء !
وحول قانون اتحاد النقابات الفنية الذي ينهي التعاون مع المطبعين، قال : أرى أن التطبيع خطوة بلا شك في طريق حل القضية اللفلسطينية
أو الحصول على حقوق الشعب الفلسطيني، وأيام سعد الدين وهبة ومجموعته، كان المد الصهيوني عالي جدًا، خاصة بعد الحروب بين اسرائيل ولبنان، والاحتكاك المتكرر بالفلسطينيين في هذه الفترة
ولكن ما أراه حاليا هو أن هناك محاولات جادة لحل القضية، واكتساب هذا الفنان نوع من الدعايا لفكر التسامح وطريقة لنقول للعالم اننا غير متشددين
وهو في النهاية ممثل ومخرج كبير، ومهم ان نكسبه ولا نقابل العداء بالعداء.