نص رسالة ثورية من المخرج محمد مفتكر للقاهرة
بعد أن فاز فيلم “خريف التفاح في آخر دورة من طنجة السينمائي، يعرض مهرجان القاهرة الفيلم لكن في ظل غياب المخرج محمد مفتكر .
المخرج محمد مفتكر، تأثر للغاية بعدم قدرته على السفر لدواعي أمنية تتعلق بالسيطرة على عدوى كورونا في المغرب الحبيب.
ولكن قرر أن يكن حاضرا بطريقة أخرى وهي خطاب لكل من سيشاهد فيلمه، وطلب قراءة كلماته قبل عرض الفيلم للجمهور.
سلام حار للجميع.
اعتذر كثيرا لعدم قدرتي على الحضور بينكم لأسباب قهرية لم أستطع التغلب عليها، فلمصر والقاهرة والسينما المصرية مكانة كبيرة في قلبي.
نحن المخرجون العرب أبناؤها شئنا أم أبينا، صنعتنا، أحببناها اختلفنا معها، انطلقنا منها وعشقناها، إنها أمنا.
وهذه كلمتي المتواضعة أتقاسمها معكم
“كم من مخرج مات قبل أنت تظهر السينما.”هكذا صرح يوما وبكل عفوية “جون كلود كاريير” في أحد لقاءاته التلفزيونية، معلنا بطريقته الساخرة المعتادة، أزلية السينما وعدم موتها وخلودها…
نعم لن تموت السينما، وستظل حية بيننا.
قد تموت يوما كصناعة ثقيلة أو كفرجة جماعية داخل قاعات شاسعة تضم المئات من المتفرجين، لكنها لن تموت أبدا كلغة وكتعبير وكإبداع فني سامي سيظل يصاحبنا طوال حياتنا.
شخصيا أرى السينما في كل شيء جميل ومعبر، أراها في قصيدة وفي لوحة وفي رواية وفي مسرحية وفي تحفة منحوتة وفي قطعة موسيقية وحتى في نكتة، لم لا؟
فالسينما ليست حكرا على السينما فقط، السينما توجد حيث التعبير الجمالي الصادق.
السينما نظرة شعرية للعالم، نحملها معنا منذ الأزل وقبل أن تكون صناعة ضخمة غزت القرن العشرين.
إبحث عن السينما بداخلك وأخرجها إلى الوجود قبل أن تجهد نفسك عبثا في البحث عن الموارد المالية لإخراجها.
المال يتبع وليس هدفا لذاته، هو وسيلة فقط وليست غاية. التعبير الصادق أقوى حتى في جلبه للموارد المالية التي تأتي لخدمة الفيلم لا للإغتناء
فكن صادقا في تعبيرك الجمالي، يتبعك المال لتحقيقه، فداخل قاعة مظلمة
حيث ينسى الناس كل شيء، ويعم الظلام، هي فقط الأفكار والتعابير الفنية ما نشاهده على الشاشة المضيئة، وليس المال.
السينما لن تموت، فهي فن عريق، جذوره ضاربة في التاريخ، تنبت وتنمو وتحيى في كل زمان ومكان..
خارج أية ظرفية، كظرفية هذا الوباء المفاجئ الذي لم ينزل علينا من السماء ولم يكن أبدا غضبة إلهية كما ظن البعض
بل شيئا خلقته آلهة آدمية فصعد إلينا من تحت الأرض حتى اجتاح كل شيء نلمسه. السينما جذور عريقة يجب اكتشافها فينا
لا خارجنا لنقول الكثير ونحكي أفراحنا وآلامنا بصدق.
نعم، كم من مخرج مات قبل أن تظهر السينما وكم من مخرج سيظل حيا بيننا بعد اختفائها.