هل تغير ذوق جمهور السينما ؟ مع منافسة المنصات وكثافة الأفلام الأجنبية

هل تغير ذوق جمهور السينما ؟

مع اقتراب انتهاء موسم الصيف السينمائي، تنكشف أمام صناع السينما حقائق جديدة حول ذوق الجمهور المصري الذي يتطور مع الوقت

ليتجاوز فكر السبكي والنوعية التجارية الخفيفة التي طالما نجحت في جذب الإيرادات بالملايين خلال آخر عقدين من الزمن.

بنهاية هذا الموسم تتغير اللعبة وتتغير معها قواعدها، خاصة في ظل تنامي مشاعر الانتماء التي جعلت الجمهور في الشهور الأخيرة

يلتف حول أعمال عن الوطن وتاريخه. هذا الظرف وغيره من ظروف تنافسية قوية مثل العدد الكبير للأفلام الأجنبية المطروحة بالصالات

والإنتاج الزخم للمنصات الديجيتال، في مقابل تناقص عدد الأفلام المصرية المنتجة، وزيادة عدد صالات السينما..

كل ما سبق وغيره من عوامل متغيرة أحاطت بالصناعة في العامين الأخيرين، قد يدفع صناع السينما للتفكير مرتين حول ما تغير أيضا في ذائقة جمهور السينما.

السؤال الرئيسي توجهنا به للمنتج والموزع هشام عبد الخالق الذي يشغل منصب نائب رئيس غرفة صناعة السينما

ويملك خبرة تتعد الثلاثون عاما، خاصة مع ادارته الحالية لواحدة من أشهر وأكبر صالات السينما في مصر.

 

نائب رئيس غرفة السينما : السينما خروجة حلوة للأسرة المصرية مهما كان الفيلم

 

عبد الخالق بدأ حديثه بالإشارة الى الموسم الأخير للسينما وهو موسم عيد الأضحى الذي شهد تنافس أفلام عددها قليل جدا

طرحت في مقابل عدد كبير من الأفلام الأجنبية، ولأسباب تستحق الدراسة، فأن فيلما منهم -كيرة والجن- نجح في حصاد ملايين لم يحصدها فيلما مصريا من قبل

هذه الملايين خلقت عشرات الأسئلة حول ما يفضله جمهور السينما، فيقول عبد الخالق :

أولا لا يمكن النظر لموسم الأضحى السينمائى الأخير على انه مميز، لأن في ٢٠٢١ كانت الحالة السينمائية في موسم الأضحى قوية جدا

وحتى في الأعوام الأخيرة التي يتخيل البعض ان السينما شهدت فيها تراجعا، كان صناع السينما المصريون يطرحون أفلاما كثيرة

بأسماء ثقيلة وميزانيات لا يستهان بها. والعامين السابقين كانا صعبين علينا جميعا وعلى قطاعات كثيرة غير السينما

ومع ذلك شهد العام السابق أفلام لنجوم مثل كريم وعز وهنيدي وتامر، وفي عيد الفطر كان هناك حلمي والسقا.

وبالنظر للموسم الأخير نعم ثلاث أفلام قليلة جدا حتى ولو تبعها عرض فيلم رابع “تسليم أهالي” في بداية موسم الصيف.

ولكن هذه الأفلام القليلة حققت نجاحا كبيرا، ف “كيرة والجن” انتاج ضخم وممثلين محبوبين ومؤلف شاطر جدا

وطبعا اسم مخرج مثل مروان حامد يصنع مع كل العناصر السابقة تركيبة لفيلم جيد، اما فيلم “بحبك” لتامر حسني، فافلام تامر لها جمهورها الخاص

أما فيلم محمد عادل امام فهو أيضا كوميديا بتركيبة خاصة. وفي رأيي ان تحقيق “كيرة والجن” لهذه الإيرادات الكبيرة

هو نتيجة طبيعية لحالة الانتظار التي كانت عند جمهور يعرف أن تصوير الفيلم استغرق ثلاث سنوات والناس كانت تتابع اخباره

وكانت هناك حالة من الانتظار والاقبال الكبير عليه، إضافة الى ان نوعية أفلام المغامرات ذات الإنتاج الكبير، نوعية أصلا غير متوفرة مع كل موسم ..

هذه الندرة وحدها عامل لجذب الجمهور. والأفلام التي بحجم كيرة والجن تجعلني فخور بصناعتنا في السينما، فهو فيلم قوي بمقومات عظيمة.

الأفلام الوطنية لها جمهور ؟

أما حول فرضية التفاف الجهور حوله بسبب تصنيفه كفيلم تاريخي وطني، بعد سنوات أثبتت فيها الأعمال الوطنية البوليسية نجاحها

اذا أخذنا في الاعتبار الاقبال غير المسبوق على “الاختيار” وما يشابهه عن أعمال موضوعها الرئيسي مصر، يقول عبد الخالق :

لا أعتقد أن ميل الناس لما يشابه “الاختيار” هو سبب بحثهم عن شبيه في السينما، بل في رأيي الفيلم نجح للأسباب الفنية التي ذكرتها

فثورة ١٩١٩ كثيرون لا يعرفون عنها شيء، ولا اعتقد ان مشاهدين السينما يدخلون فيلم لمعرفة احداث فترة تاريخية ..

الجمهور يريد فيلم سينما ممتع بغض النظر عما يناقشه.

وحول موقف السينما المصرية الصعب مقابل عشرات الانتاجات الأجنبية التي تشغل الصالات، قال المنتج الشهير :

فكرة تهديد الفيلم الأجنبي للفيلم المصري، فكرة ناقشناها وبحثناها كمنتجين منذ عام ٢٠١١، واكتشفنا ان الأفلام الأجنبي لا تؤثر على الأفلام المصرية

فالفيلم المصري له وهج خاص به، الكوميديا الخاصة بنا، وممثلينا المفضلين والأكشن الخاص بنا .. ففي فترة كنا كصناع سينما

قلقين على السينما المصرية بعد الثورة، لأن السينمات كان فيها أفلام أمريكية فقط، ولكن في النهاية ايرادات العربية عدت الأجنبي

ومن سنوات قريبة طرح فيلم “علاء الدين” الذي سحب الجمهور كله محققا أرقام ضخمة، ولكن وقتها كانت هناك أفلام قوية مثل كازابلانكا والفيل الأزرق

والممر وحملة فرعون وسبع البرمبة وولاد رزق.

ولفت نائب رئيس غرفة السينما الى أن هناك أسطورة حول نزول الأفلام المصرية بكثرة في موسم واحد تقول أن العدد الكبير يضر في المنافسة

لأن “الأفلام بتكسر عضم بعض”، مشيرا: غير صحيح طبعا، لأن جمهور الصيف والعيد لديه رغبة في مشاهدة اكثر من فيلم، وطول ما  نعرض لهم بضاعة جيدة..

الكل سيكسب، بل المشكلة الحالية هي أن دور العرض تزايدت ولا توجد أفلام لتشغلها، وهناك دور فيها ١٨ قاعة مثلا او ٢٤ قاعة..

يكن هنا السؤال كيف نوفر أفلام لتشغيل هذه القاعات؟ اذن لابد من وجود افلام كثيرة.. نناقش هذا حاليا في غرفة صناعة السينما.

والخلاصة أنه لو نزل عشر أفلام سيدخل الجمهور العشرة ولن يهملوا كل الأفلام مثلا لصالح فيلمين.

 

 

التراجع بالأرقام

وبالنظر الى ما تسببت فيه منافسة منصات الديجيتال التي أصبحت تنتج أفلام لصالحها، وتنتجها أيضا بكثافة على مدار العام، يقول:

الناس تتردد على السينما بفعل العادة، والكل يحب دخول السينما لأنها خروجة جميلة.. والسينما ستظل سينما

الناس تخرج كثيرا وعندها اجازات وهناك زوار من الخليج.. والسينما تعمل اكثر، أما بخصوص عدد الأفلام، فنعم عندنا ازمة..

ان يكن هناك منتجين كثر بينما الممثلين مشغولين ولا نحقق في العام الا ٢٣ فيلم.. هذا رقم قليل جدا لمصر، ففي عام ٢٠٠٨ كان عندنا ٥٨ فيلم

وكانت دور العرض أقل. فكيف اليوم ننتج هذه الأعداد القليلة.

وختم هشام موضوع التحقيق قائلا: لا توجد مصادر معيارية لفهم ذائقة الجمهور المصري سوى شباك التذاكر ..

الشباك هو الذي يقول ماذا يريد المشاهد ومن النجم المحبوب، وأخيرا موعد نزول الفيلم علامة أخرى يعتد بها، فلو نزلت الأفلام أوقات الامتحانات لن يقبل عليها الكثير.

 

 

المحتوى أهم

المنتجة شاهيناز العقاد التي كان لها تجربة استثنائية بعرض فيلم من انتاجاتها في منصة رغم انه كان مجهزا لنزول الصالات

ولكن منعته عاصفة كورونا في بدايتها، تقول : لا أعتقد ان هناك أي بديل ممكن أن يهدد سطوة السينما وتأثيرها المسرحي وشاشتها الكبيرة

والمنصات حينما بدأت لم يكن غرضها هو المنافسة، بل حل الأزمة وقت الوباء، ولا أرى انه من العدل ان نعتبرها اليوم منافسا قد يؤثر على رأي الجمهور.

 

منتجة : الجمهور أصبح يفضل فيلم فيه فكرة حلوة عن اسم نجم مهم

أما حول ما أصاب ذوق جمهور السينما في السنوات الأخيرة، قالت:

المحتوى! الناس تنتظر من أي فيلم المحتوى الجديد والمعالجة الذكية، ونحن كصناع أفلام نعرف ذلك ونعمل عليه

وفي رأيي أن الفيصل الآن لنجاح فيلم ليس اسم النجم أو حجمه، مع احترامي للجميع، بل الفيصل هو فكرة الفيلم نفسه وطبعا وجود ممثل شاطر حتى وان كان شابا.

 

ناقد : الأفلام عن روايات مطلوبة والجمهور لم يعد ينجذب لأفلام الضحك والهزار

الناقد محمود المهدي كان له رأي مختلف حول ما تغير في ذوق الجمهور معتبرا ان نجاح الرواية في سوقها الأصلي، سببا في نجاح أي فيلم لاحقا، فيقول :

اذا نظرنا الى آخر نموذج ناجح على مستوى المشاهدة والايرادات فأن فيلم “كيرة والجن” يجيب عن كل التساؤلات

هذا الفيلم الذي كتبه أحمد مراد عن رواية أيضا ناجحة له وكانت الأكثر مبيعا وقت صدورها، وناس كثيرة متابعة مراد وأعماله

وحتى الطريقة التي يتم نقل أفلامه بها الى السينما، أيضا وجود اسم مروان حامد الذي أثبت عبر كل أفلامه أنه مخرج قوي

هذه العناصر في رأيي بجانب النجوم الكبار دليل على المعايير التي ينظر لها الجمهور قبل مشاهدة فيلم.

ويضيف : هذا النموذج الناجح دلالة على أن الأفلام الجادة أصبحت مطلوبة في السينما، رغم اننا من سنوات انتاجاتنا في مصر

تميل للشكل التجاري المتغاضي عن العناصر الفنية، فالناس حاليا لم تعد تذهب لأفلام الهزار والضحك فقط، بل يهمها أن يكن الفيلم قويا متماسك.

هل تغير ذوق جمهور السينما ؟

نقلا عن احدى مطبوعات الهيئة الوطنية للصحافة