خمسة أسباب وراء احتفال القاهرة بـ مئوية فيلليني

رغم احتفال ثلاثة مهرجانات تسبقه بـ مئوية فيلليني الا ان القاهرة السينمائي الدولي، أصر على اصدار كتاب “فيديريكو فيلليني.. سينما السحر والأحلام” بمناسبة الاحتفال بمئوية ميلاد المخرج الإيطالي الشهير.

لكن

وقال مؤلف الكتاب الناقد السينمائي أمير العمري، إن “فيلليني” كان من أكثر السينمائيين الأوروبيين عموماً قرباً منا نحن أبناء الثقافة العربية.

ومن عشاق السينما والمهتمين بها. فهو بمزاجه المتوسطي، مثلنا، يحب الألوان الصريحة القوية، والصور التي تزخر بالحركة والحيوية والحياة.

كما يؤمن بالسحر والروحانيات والوجود اللا مرئي للأشياء، ولديه شعور راسخ بأننا لسنا وحدنا في هذا العالم.

ويرى أن القوانين الصدفة منطقها الخاص، لكن من دون أن ينحو نحو الفوضوية فكراً.

لكن

السينما بديل للواقع

وأضاف “العمري”، أن “فيلليني” أيضاً، يرى أن السينما، أي ما نعتبره من الخيال، يمكن أن تكون بديلاً للعالم (الواقعي).

لكنه لا يعتقد أن الفيلم يجب أن يكون امتداداً للواقع، وهو لم يكن ينطلق في عمله من خطة صارمة دقيقة، أو سيناريو تفصيلي دقيق محكم يحدد خطواته

بل كان يميل إلى ترك مساحة ما للارتجال، إلا أنه ليس في الحقيقة ارتجالاً فوضوياً

بل استلهام فني من الحالة الذهنية والشعورية التي يجد الفنان نفسه يعيشها، مع نفسه ومع المكان ومع الممثلين.

 

وتابع “العمري”: كان فيلليني يصنع أفلاماً للمتعة، لمتعته الشخصية ورغبته في إمتاع المشاهدين

ولكن ليس معنى هذا أن أفلام فيلليني مجرد أفلام للتسلية على غرار أفلام هوليوود التقليدية، بل هي أفلام مركبة

تعكس أيضاً الكثير من أفكاره الفلسفية، ورؤيته الخاصة للعالم. لذلك فهو فنان سينمائي بالمعنى الكامل لهذا التعبير

ونموذج مثالي للمخرج- المؤلف، الذي يعبر عن أفكاره الخاصة من فيلم لآخر، ولهذا سنجد الكثير من الأفكار تتكرر في أفلامه، فمصادرها واحدة.

لأن

الواقعية الجديدة

وأوضح “العمري”، أن فيلليني انطلق من “الواقعية الجديدة” أي من عمله ككاتب سيناريو لعدد من أهم أفلام تلك الحركة في الأربعينيات الماضية

أشهرها “روما مدينة مفتوحة” لعميد الواقعية الإيطالية روبرتو روسيلليني، لكنه سرعان ما ابتعد عنها في أفلامه الأولى

مفضلاً التركيز على الشخصيات، وفحص “الفردية الذاتية”، وعلاقة الفرد بالعالم، في عذابه وبحثه عن “الخلاص” غالباً بمفهوم ديني مرتبط بنشأة فيلليني الكاثوليكية

إلا أن فيلليني كان أيضاً متمرداً عظيماً على الكاثوليكية، على المؤسسة الدينية، ومناهضاً لسلطة رجال الدين

وقد أفصح عن ذلك في معظم أفلامه. وكان ذلك التمرد ليس فقط على سلطة الكنيسة التي كثيراً ما وضعت العراقيل في وجهه واعترضت على أفلامه

بل كان موقفاً متمرداً من “المؤسسة” بشكل عام. ورغم أن فيلليني كان دائماً ينأى بنفسه عن الخوض في السياسة، ويجد

نفسه في ذلك وحيداً بين الغالبية العظمى من المخرجين الإيطاليين في عصره

إلا أنه كان يسبب الإزعاج لكل من اليمين واليسار.

فاليمين أزعجته جرأة فيلليني في تصوير الجسد البشري، والتدهور الأخلاقي لدى الشريحة العليا من البورجوازية، إلى جانب

هجومه المستمر على الفاتيكان وطبقة الكهنة بوجه عام.

أما اليسار فقد أغضبه عدم التزام فيلليني بقضايا الطبقة العاملة، وهو ما اعتبروه عجزاً عن التماهي مع شخصيات أفلامه من تلك الطبقة

مفضلاً الوقوف على مسافة منهم، يراقبهم ويرصد ردود أفعالهم، دون أن يتخذهم رموزاً لطبقتهم الاجتماعية

 

الشكلانية ؟

كذلك اتُهم من قبل بعض نقاد اليسار، بالإغراق في “الشكلانية” كونه يتلاعب كثيراً بالوسيط السينمائي، ويميل في الكثير من أفلامه للغموض

وربما أيضاً، كما كان يرى الناقد الماركسي الإيطالي الشهير جويدو أريستاركو، أن تصويره لرغبة أبطال أفلامه في الخلاص ينطلق

من المفهوم الديني وليس المفهوم “العلماني”-

على العكس من زميله ومعاصره، أنطونيوني، كما لم يكن يستند إلى أرضية الانتماء الطبقي.

وعلى الرغم من ذلك ظل فيلليني أشهر وأهم أبناء جيله من المخرجين الإيطاليين جميعاً، داخل إيطاليا وخارجها

بسبب نجاحه في خلق أسلوب خلاب، ساحر، يعتمد على التداعي الحر، وعلى استدعاء ذكريات الماضي، من الطفولة

يربطها بالحاضر، ويستند إلى أرضية قوية من التحليل النفسي، واعتُبر بالتالي أهم مخرج “حداثي” في السينما الإيطالية بعد الحرب العالمية الثانية.

كان فيلليني يخلق لغة سينمائية جديدة، موازية للأدب الجديد والشعر الحر، يتخلى تماماً عن السرد الخطي التقليدي والبناء

المحكم الذي يتصاعد الى الذروة ثم يختتم بحل العقدة

بل يميل إلى تفكيك الفكرة، وإعادة تركيبها بطريقة لا تخضع للمنطق البسيط المباشر التقليدي، بل لما يشعر به الفنان الذي يقوم

بعمليتي التفكيك والتركيب.

يشير الناقد أمير العمري في كتابه، إلى أن سينما فيلليني تستند دائماً على عدة عناصر أو دعائم يمكن تلخيصها في :

العلاقة مع الذكريات، الأحلام، السيرك، المدينة (ريميني بلدته الأصلية، وروما التي عاش فيها طويلاً)، وأخيراً علاقته مع المرأة، ونظرته الخاصة إلى الجنس.

ولابد أننا سنلاحظ هنا غياب عامل السياسة والجدل السياسي رغم أن إيطاليا التي أخرج فيها فيلليني أهم أفلامه في الخمسينيات والستينيات

كانت تشهد تحديات كبيرة، مشوبة بالتقلبات السياسية والاجتماعية بعد زوال الطفرة الاقتصادية التي شهدتها البلاد في النصف الثاني من الخمسينيات، وحتى منتصف الستينيات، ثم دخولها النفق المظلم للإرهاب في السبعينيات.

ولكن فيلليني لم يكن بعيداً عن هذه المتغيرات، فهو سيلمسها على نحو ما، في أفلامه، ولكن من خلال أسلوبه الخاص الذي

يعتمد على نفس العناصر التي ذكرتها فيما سبق.

لكن مئوية فيلليني

لكن مئوية فيلليني