لماذا يكره توم كروز باربي ؟
هل تتذكر ذلك الشعور المنعش ودقات قلبك تتسارع حينما زرت ديزني لاند لأول مرة ؟ بالطبع لا تتذكر لأنك لم تزر ابدا ديزني لاند من قبل على اغلب الظن! لماذا يكره توم كروز باربي ؟
ديزني لاند ستجعلك تشعر بخفقان سريع في القلب، وبانفصال تام عن الحياة الخارجية الواقعية المزعجة .. انت فقط تسير داخل حلم جميل مفعم بالألوان والموسيقى وحواسك تصرخ من المتعة وجسدك يستسلم بالكامل لموجات الراحة والانسجام وانت تسير داخل هذا المكان المثالي، محاطا بمئات حولك من السعداء الذين يشاركونك نفس المشاعر الجميلة، وتغمرهم سعادة تفوق الوصف.
كل هذا شعرت به بعد ثلاث دقائق من بداية فيلم باربي .. مر على بالي خبر قرأته منذ أيام عن الحقد المبطن في تعليقات توم كروز على تخطي إيرادات هذا الفيلم لفيلمه الذي صوره وسط ظروف صعبة في أيام الكورونا وصمم على انهاؤه في عز الأزمة التي توقفت فيها الصناعة وجلس الجميع مرعوبين في منازلهم ..
ولكن كروز وحده خرج ليحارب!
ليس فقط من أجل مساندة الصناعة وأرزاق الناس ، ولكنه لأنه أيضا يحب لعب دور البطولة حتى في الحياة ..
يحب أن يظهر كشخص جسور يلعب دور القائد ويغير مجرى الأحداث ويتحكم في النهايات ..
هو مهووس بالسيطرة والفوز إلى هذه الدرجة .. إلى درجة الحقد على فيلم آخر تخطاه، ولكنه نافسه بمعطيات وعناصر مختلفة تماما عن نوع السينما التي يصنعها كروز، وبالطبع يراها هي أفضل لون للسينما !
كروز حينما شاهد الألوان الجميلة والديكورات الفاتحة للشهية على الحياة، لم يحب الحياة في حينها ..
لأنه كان محاصرا بشعور الغضب لأنه ليس الاول بسبب هذا الفيلم .. بسبب كل هذه الألوان الخاطفة والموسيقى التي يقشعر لها البدن قبل أن تتراقص معها الجوارح ..
هو غاضب لأن هذا الجمال خطف منه المنزلة الاولى في ترتيب الربح، كما خطف منه أيضا الربح نفسه.
في الدقيقة الثامنة ومع استمرار الموسيقى الصاخبة ومهرجان الالوان قلت في بالي نعم هو يبدو وكأنه فيلما للاطفال .. ليس فقط للاطفال ولكنه أيضا موجها للفتيات المدللات اللاتي يشبهن باربي
ولكن ليس هذا ما أثار مقت توم كروز حقا .. ففي هذا الجزء من الفيلم يظهر ريان جوسلينج .. خاطف قلوب النساء بكل أعمارهم في الأمريكتين .. منافس من النوع الذي يمقته أيضا توم كروز.
يظهر جميلا جمال مائع، الشعر الاشقر والعضلات اللامعة والبشرة البرونزية والعيون المكحلة، أنه نموذج لعارض أزياء ناعم وقوي في نفس الحين ..
خلطة ليس بها أي خطأ ويكرهها اي رجل لأنه يدرك أنه جاذب للأنظار عن الخشونة والقفز من الطائرات وتفادي الرصاص والسباق بالسيارات ..
وهذا ما يفلح فيه كروز أكثر، ولكنه للحسرة، لم يعد جاذبا لنساء هذا العصر كما يرى صناع شخصية كين في فيلم باربي.
في الدقيقة ١٣ رأيت سببا آخر لغضب توم كروز من باربي
فمع بدء حفلة في منزل باربي ينطلق الجميع في الرقص وتجد عينك لا تغادر الشاشة ولا ترمش لأنك وجدت تغذية ممتعة لبصرك.
كثير من الأزياء والاكسسوارات العصرية والرقصات المدهشة وسط ملامح مارجو روبي المحببة .. أفلام توم كروز أيضا تعتبر أن صناعة مشهد جاذب للبصر بهذه الدرجة هو عمود من الأعمدة الأساسية التي يعتمد عليها الفيلم في قوته.
وفوق كل هذا تجد الابطال يصيحون في المشهد نفسه بأن الحياة جميلة والحفل جميل وكل شيء رائع ولا اروع، ومثالي ولا تشوبه شائبة .. ما هذا الغيظ ؟
هذا المحتوى التافه -بالسنبة لتوم كروز طبعا- يرسل أيضا رسائل إيجابية للجميع ويضعهم في مود الرضا والفرحة ؟؟؟
حسنا .. فلنعتبره فيديو كليب طويل وملون وجميل .. ولكنه بالتأكيد ان استمر على هذا المنوال، فلا يمكن وصفه بفيلم.
في الثلث الثاني من الفيلم، تأتي الحقيقة على قدميها في مشهد مباشر وحوار صريح جدا، يخبرك بمزيد من الأسباب لكي لا تحب أنت ايضا باربي.
حينما تهرب لعبة باربي من عالم باربي إلى العالم الواقعي، تقول انها في طريقها لإنقاذ قرينتها في العالم الحقيقي، ولكن الحقيقة أنها فقط تسعى لإنقاذ نفسها بعد أن تسربت إلى صفاتها وتكوينها، عيوب يعاني منها البشر في العالم الواقعي، مثل عدم الرضا والقلق وبعض علامات السيلوليت أيضا !
تصنع ياربي أول مواجهة حقيقية مع الواقع حينما تذهب الى الفتاة التي تلعب بها في الحقيقة، وتستمع إلى عبارات ساخطة منها ومن رفيقاتها ..
يخبرون باربي أنها اول سبب في التاريخ لجعل النساء يشعرون بمشاعر سيئة تجاه أنفسهن ..
وأنها تمثيلا لكل شيء خاطيء في ثقافة العالم الحديث، الرأسمالية الجنسية، والأفكار بتوجيه الجسد وتمجيده بشكل غير واقعي.
فتصبح بهم باربي أنهم يفكرون فيها بتنميط ظالم .. وأنها أكثر بكثيرا من هذا، فيخرسونها بجملة واحدة :
فقط انظري الى نفسك ! انظري الى نفسك لكي ترى الحقيقة ..
انت مثال للانثوية قبل خمسين عاما .. تدمرين نظرة الفتيات لأنفسهم وتدمىين الكوكب بتراكمات الفكر الاستهلاكي
تدافع باربي من جديد : من المفترض اني اساعدكم وادفعكن للتمكين والشعور بالقوة!
فتنهي الفتاة الجدال القاسي : انا قوية من قبل أن يخترعونك ايتها الفاشية!
موضوع حقيقي
بعد نصف مدة الفيلم تقريبا، يبدأ الفيلم في الخروج من عالم الاستعراض المثالي إلى موضوع واضح وعنوان قضية بالخط العريض ..
غياب الفرص الحقيقية في القيادة للمرأة، واستمرار النظر لها وكأنها شيئا وليس شخصا.
في الثلث الاخير من الفيلم، تتصاعد الأحداث لمستوى جديد يجعل من الفيلم منتجا مستحقا لكل ارباحه، فهو ليس فيلما تافها مصنوعا بلا مجهود أو بخط درامي يتيم ومكرر، فنجد أن “كين” الذي تسرب مع باربي للعالم الخارجي لاحقا بها بهوسه الذي لا تقابله باربي بأي تبادلية، يعود كين إلى عالم باربي بأفكار أكثر ذكورية وتمرد، ويقود موجة من التغيير مصارعا للحصول على أكبر قدر من السلطة، في إشارة إلى ما يحدث في العالم الحقيقي من الرجال تجاه النساء.
فيتحول الفيلم لمناقشة قضية تمكين المرأة على مستوى أبعد، واضعين الرجال في قفص الاتهام، فالرجل يقتل فرض المرأة حتى في عالم باربي المثالي الذي لا يخص احدا سواها ، وها هي باربي تفقد تميزها حتى في عالمها الخاص الذي يحمل اسمها!
ولمزيد من السخرية، نفاجأ بأن كل نسخ باربي في عالمها، وافقوا طوعا على الخضوع إلى دعوة كين لفرض مزيد من الذكورية، رأوا في ذلك تغيير مدهش عما اعتادوه.
أما باربي الأصلية التي تعرف جيدا ما تمثله من أفكار، تقف في مواجهة كل هذا التغيير الطاحن، معترضة على تحويل نساء عالمها إلى خادمات وتابعات ونساء ينظر اليهن كأشياء وليس كأشخاص.
إذن القضية نسوية جندارية، لا، ليست كذلك .. القضية هي ان تكون كافيا .. أن ترى وجودك معتد به، ومحسوبا ومعدودا ومرئيا بالنسبة إلى الجميع.
ألا تعيش محصورا بين قوسين، وأن تسير عمرك كتابعا أو كشخص دائما في المرتبة الثانية ..
باربي هنا تقول بصوت عالي : انا كافية .. وحتى في عز الاستثنائية يمكنني أن اخطيء وأجانب الصواب
يمكنني أن اكون غير كاملة، وكافية في نفس الوقت !
اعرف انها شعارات تنادي بها النسويات وتتباهى بها كثير من الشخصيات .. يبدو السجال هنا مملا وساذجا ومستهلكا .. يبدو كموضوع قتل بحثا بالنسبة الى توم كروز الذي يعشق المعارك ولكن بشروطه، يحب الأكشن ولكن في عالمه محصورا على الرجال، الرجال الذين يخلصون العالم من الشرور ويعدلون أكفة الموازين، ولكنهم أبدا ليسوا النساء اللاتي يبكين من أجل إثبات الذات ويعيشن حياة لا يخلو منها الصراع بسبب تعالي الرجال على رؤية الحقيقة كما يراها النصف الآخر من الدنيا.
النسوة يعيشن حياة معقدة، ومطلوب منهم تقديم كثير من العطاءات المتناقضة، دون شكوى أو حتى إجازة ، ولا أحد يرى هذا الكفاح، ولا يقدره ولا يشكره ولا يعط لأي منهم ميدالية، بل يُحملها فوق طاقتها ويجعل كل الأخطاء مسئوليتها.. هذا الضغط المستمر تعيشه المرأة دون توقف .. لأنه فقط مطلوبا منها ومتوقعا منها.
هم ثقيل، لخصته باربي في خطاب مباشر وبسيط ..
هم ثقيل جعل قرينتها في العالم الحقيقي تصرخ معترضة بأنها مرهقة وتعبت من هذا الدور المجبرة على لعبه في الحياة.
ينتهي الفيلم بلوحاته الفنة الممتعة بصريا، تاركا أثرا لا يمحى، وتاركا فكرة كانت تستحق صناعة هذا الفيلم من أجلها .. المرأة مظلومة في كثير من المقارنات، تعطي أكثر مما تأخذ وتضطر للعراك على حقوق بديهية، ولا أحد يقدرها أو يشكرها بل مطالبة بمزيد من التنازلات والتضحيات لأننا ببساطة نحيا في عالم غير مثالي، وغير عادل، ولا يشبه عالم باربي الملون في شيء !