بلاغات وكسور ودماء سائلة .. من يوقف رامز جلال عن تصدير العنف وايذاء الآخر ؟

عام وراء الآخر، ولا يتأثر الفنان رامز جلال بالانتقادات وموجات الهجوم الحادة عليه، بل أنه لم يتأثر حتى بالبلاغات التي قدمها ضدها عشرات المحامين المتطوعين لحماية المجتمع في السنوات الأخيرة .. “كله على فشوش” ..

يستمر البرنامج مع استمرار وجود تمويل له وشاشة تحتضنه، مهما كان خارجا عن اللائق والمسموح، ومهما كسر من قواعد وآداب.

ولكن المختلف هذا العام هو أن البرنامج يركز على تكريس فكرة أن إيذاء الآخرين وتعريضهم للعنف والإذلال شيء مضحك، بل مثير للإعجاب ..

يصنع البرنامج خلطته ليمرر الأشياء غير العادية على أنها عادية وطبيعية ومقبولة، وفي عالم عبثي لا يفرق أحيانا بين حق وباطل

يستمر البرنامج في عرض مزيد من حلقاته دون رادع أو مانع، وفي ظل أيضا عشرات المصابين الذين شاهد الوطن العربي اصاباتهم ودماءهم سائلة على الشاشى “بجد مش تمثيل”.

فلم تخل حلقة من حلقات الاسبوع الأول من برنامج “رامز جاب من الآخر” في رمضان من الدم، كل حلقة كان فيها مصاب، والإصابات تعددت

ففي حلقة نجلاء بدر، أصيبت في يديها مع تشغيل المشاية بسرعة، حيث أبلغت رامز بضرورة وقف المشاية لأن يدها تعرضت للسحج بخلاف نزيف ذراعها الأيسر

وفي حلقة اللاعب السعودي علي البليهي، تعرض اللاعب لخطر الغرق حيث سقط في بركة المياة وغطس داخلها بسبب عدم قدرته على السباحة

ولولا تدخل الغطاس في الأسفل بالاسراع الى رفعه للأعلى، لكانت رئتيه امتلأت بالماء، بخلاف تعرض اللاعب لإصابات متعددة وجروح في وجهه ما بين الأنف والجبهة وأيضا يديه الاثنين.

أستاذ علم نفس : الواقع ينقل أفكار العنف من التلفزيون

ومن الحلقات التي تعرض ضيوفها لاصابات كبيرة حلقتي سمية الخشاب وشيرين رضا، حيث أودعت كل منهما المستشفى بنفس يوم التصوير

سمية بسبب كدمة في كتفها وجروح في ذراعها وقدمها، وشيرين بسبب شرخ في قدمها اليسرى، ثم ظهر محمود كهربا في حلقة أعلن فيها أيضا عن كسر في كفه، ولكن الأخطر كانت حلقة الناقد والإعلامي الرياضي عبد الناصر زيدان.

حيث هدد عبد الناصر، رامز جلال، وإدارة البرنامج بسبب عرض الحلقة، ونشر صورته من البرنامج عبر حسابه الرسمي علي موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”

معلقًا بقوله: “كنت أتمني أن يكون هناك حل لأزمتي مع mbc قبل ظهور هذا البرومو، ومازلت أنتظر بكل احترام وتقدير موقفًا إيجابيًا يليق بمؤسسة عريقة بوزن كيان mbc”. وجاء تهديده المبطن بعدما أصيب بكسر في ذراعه.

 

الواقع يقلد البرامج

بالذهاب وراء هذه الظاهرة وما تخلفه من أثر مؤذي فعلا على المشاهدين، علق د. محمد المهدي أستاذ الطب النفسي قائلا :

في السنوات الأخيرة لاحظت أعمال فنية كثيرة فيها عنف مفرط، وعنف دموي، وللأسف الشديد من يمارس هذا العنف، يظهر في دور البطل الجذاب للشباب والمراهقين

وهو ما يقنعهم أكثر بأن العنف مظهر من مظاهر الشخصية الجذابة، في علم النفس اسمه “التعلم بالنمذجة” أي وضع نموذج مثير للاعجاب بصفات معينة

فيعجب به الشباب .. فمن يشاهد هذه الأعمال قد ينتقدها حتى ولكنه بسبب تأثيرها عليه، يكن معجب بها في داخله ويرى في هذا الفنان نموذج البطل الذي يستطيع أن يخيف الناس منه وأن تحسب له الحسابات.

ويلفت مهدي الى خطورة تأثير هذا العنف على المجتمع نفسه، قائلا :

أتذكر أني شاهدت أحد الأعمال كان فيهم مشهدين فيهم عنف مفرط واذلال للآخر، وكانوا في الحلقة الأولى من مسلسل معروض برمضان في أحد الأعوام

والعجيب أن هذين المشهدين تم تنفيذهم بالضبط في جريمتين في بلدتين عربيتين مختلفتين في ثاني وثالث أيام رمضان، منهم مشهد لبلطجي قام بتلبيس رجل آخر زي نسائي وصوره به، والجريمة تمت ثاني يوم بنفس الفكرة

والمشهد الثاني لمجموعة بلطجية مثلوا انهم يرشون الناموس في أحد المقاهي بالشارع ثم دخلوا بمواد ضبابية رشوها لكي يسيطروا على المكان

وأيضا نفس الفكرة تمت في جريمة بنفس الاسبوع، ولن أذكر اسم المسلسل حتى لا أشجع الناس على مشاهدته مجددا، ولكن هذا العمل لم يقل فقط للمشاهدين أن العنف سلوك مقبول، بل أنه سلوك مرحب به وله معاني جيدة !

وختم المهدي حديثه : بعض صناع الأعمال الفنية يقولون مبرر دائما بأن ما يقدمونه من الواقع، ولكن الحقيقة أنه ليس انعكاس دقيق للواقع

بل هو أكثر بشاعة والفن لا يتوقف دوره على أنه مرآة للواقع، بل يعكس الواقع ويرتقي به.

 

 

لا ثقافة ولا رسالة

أما الناقد الفني أحمد سعد الدين فقد علق على العنف المفرط في الحلقات الأولى من برنامج “رامز جاب من الآخر”، قائلا :

الهدف الأساسي من أي برنامج تلفزيوني ليس فقط الترفيه، لابد أن يكن فيه حبكة جيدة وجذابة، وأن يكن له رسالة قيمة في محتواه

وإذا تحدثنا عن برامج المقالب تحديدا، فبالعودة للتاريخ كان أول برنامج كاميرا خفية باللغة العربية، يقدمه اسماعيل يسري وفؤاد المهندس للمرة الاولى عام 84

وفي التسعينيات جاء بعدهم قدم ابراهيم نصر ببرنامجه الكاميرا الخفية، ولكن كان هناك عنصرين مهمين يميزا برنامج ابراهيم نصر، أولا هو أنه كان يعتمد على كاتب ليؤلف له المواقف ويكتب سيناريو لها

وثانيا هو أنه كان يصنع مواقف طريفة هدفها الضحك ولكن بدون إهانة أو إذلال الضيف. وفي بداية الألفية الثالثة حينما قدم حسين الامام برنامج المقالب الشهير “حسين على الهوا” مع المخرج رائد لبيب

كان حسين يختبر ضيوفه في ثباتهم وثقتهم في أنفسهم ويضحكنا ضحك عظيم ولكن أيضا دون اهانة أحد أو تعريض أحد للخطر والمواقف العنيفة.

ناقد فني : رامز جلال يروج للتنمر والسادية على أنها خفة دم

ويستطرد سعد الدين : لكن بالوصول إلى برمج رامز، فقد كان في البداية يقدم مقالب، ولكن في آخر خمس سنوات أصبح بجانب هذه المقالب يتعمد إذلال الضيف واجباره على قول أشياء لا يريدها

أو حتى أشياء تحط من قدر الضيف نفسه أمام الكاميرا وأمام زملاءه، هنا علينا أن نطرح السؤال الأهم “ما الذي استفيده أنا كمشاهد ؟

“الإجابة هي “ولا شيء” .. ولا حتى أصبحت أضحك. بعضنا يضحك في أول يوم، ولكن ماذا عن الـ29 حلقة اللاحقة ؟ هل تضحكون ؟

والسؤال الثاني من يتحمل المسئولية ؟ في رأيي أن المسئولية مقسمة على اثنين، أولا الضيف الذي تغريه الفلوس، ويحسبها حسبة الصفقة فيتحمل جزء من المسئولية لأنه وافق على الصفقة وكان جزءا من صناعة هذا المشهد المصدر للعنف

والجزء الآخر من المسئولية على عاتق رامز نفسه الذي أصبح يكرر نفسه، خاصة أن وجود هذا البرنامج لسنوات طويلة يساعد على تسطيح العقول، والبرامج الترفيهية لابد ان يكن لها رسالة تثقيفية في الأساس، ولكن رامز ليس لديه أي رسالة تماما.

وختم الناقد حديثه بالتعليق على فكرة أن تمرير العنف موجه أم صدفة في التلفزيون، قائلا : سواء كان هذا عن عمد أو بالصدفة

فالنتيجة هو ان البرنامج نجح في التشجيع على العنف، مثلما كانوا يصدرون لنا في طفولتنا أعمال كارتونية مثل “جرانديزر” وأفلام كلها قتل وسحل وموجهة للأطفال ضمن الكارتون

وهذا ما يجعل العنف بالنسبة للصغار وكأنه شيء عادي. أما حاليا فأن التكريس للسادية والتنمر هو أخطر ما يمرره هذا البرنامج ضمن أحداثه، فمثلا مشهد التخويف بالكلب الشرس ورمي الناس في مياة باردة ثم فتح مروحة قوية عليهم ثم اطلاق الضحكات والنكات بعدها ..

ماذا يمكننا أن نصف هذا الا بالسادية ؟

وثانيا برنامج رامز جلال يعزز التنمر ويشجع عليه، فيصف مقدم البرنامج ضيوفه بصفات تسخر من أجسادهم وأشكالهم بسخرية، وأعتقد أن ايقاف هذه النوعية من البرامج

شيء غير سهل وقرار لن يحدث قريبا، خاصة أنها تجذب سوق الاعلانات، وتجد أيضا من يمولها، ومادام التمويل موجود، فهذا العنف سيستمر.

لكن رامز جلال