الناقد محمود عبد الشكور : الحشاشين ضرب ٣ أفكار رئيسية عند التنظيمات الدينية
في وسط الجدال الكبير الذي أحاط بعرض مسلسل “الحشاشين” في موسم رمضان الأخير.
قدم الناقد محمود عبد الشكور روية مختلفة ومفصلة المسلسل الشهير، فيقول :
في رأيي أن المزعج بالنسبة للبعض في العمل، ليس ما قيل عن إسقاطه على تنظيم معين رأى نفسه في أحداث العمل على طريقة المريب الذي يقول خدوني.
بل الأمر عندي أخطر من ذلك بكثير، لأن المسلسل يعرض لطريقة تفكير وآليات سيطرة وتوجيه، وهنا خطورته الكبرى على كل الذي يفكر هكذا.
واضاف : العمل في الحقيقة يضرب ٣ أفكار محورية عايشة عليهم وستعيش تنظيمات كتيرة سياسية ودينية وقومية عبر التاريخ وفي منطقتنا تحديدا، و لا أتعجب فعلا أن رواية” الموت” الشهيرة استلهمت حكاية حسن الصباح ارتباطا بصعود الفاشية في أوروبا، ليس لأي سبب آخر، أيضا لا أتعجب ان كثيرين لم ينتبهوا إلى أن جماعة الحشاشين شيعية وليست سنية أصلا، ومع ذلك ذابت الاختلافات مع واقعنا السني، الذي استنسخ حرفيا أساليب الجماعات الباطنية الشيعية المتطرفة.
وحلل عبد الشكور أكثر توجه العمل :
الفكرة الأولى التي ناقشها “الحشاشين” هي امتلاك الحقيقة المطلقة، والمزج بينها وبين شخصية الإمام، وبالتالي فإن كل من لا يؤمن بها أو بالامام فهو كافر أو مارق أو خائن، فالامام هو الفكرة وهو الدين نفسه، والمذهل أن الدوتشي صار أيضا هو إيطاليا، والفوهرر هو ألمانيا مجسدة في شخص.
الفكرة الثانية هي السيطرة المطلقة على الأتباع كما في صميم الفكرة الفاشية .. ما يعني ان ” الحشاشين” ليس فقط عن الطائفة وحكاية تدخين الحشيش، ولكنه عن كل المغيبين الذين يسلمون عقولهم تسليم مفتاح للآخرين تحت أي شعارات ، لا يفكروا ولا يقرأون ولا يريدون حتى ، فيصبحوا مجرد أدوات ، وهم سعداء بذلك.
الفكرة الثالثة تقديم رواية واحدة معتمدة عن الماضي، أو ما أسميه ب “خصخصة التاريخ” .
فكل التنظيمات التي تحتكر الحقيقة تصنع نصا تاريخيا مغلقا معتمدا لا يأتيه الباطل، بل وتضع تفسيرا واحدا مقدسا للتاريخ، هو بالطبع المناسب لأهدافها السياسية، لأنها جماعات “ماضوية” بالأساس، حتى في الأسماء والمصطلحات والألقاب، وجزء أساسي من اللعبة استعادة” أمجاد الماضي”، بالضبط مثل النازية والفاشية.
وبالتالي أي قراءة أخرى وانتقادية لهذا التاريخ تضرب أساسها الفكري في الصميم .
ما يعني أن مفاهيم مثل الخلافة والامامة بل والفقه والشخصيات التاريخية، هي عندهم مفاهيم جامدة و ثابتة، لا تحتمل الاجتهاد أو القراءة المختلفة، لكن “الحشاشين” فعل العكس بكسر هذا الاحتكار ، وبتقديم قراءة أخرى للتاريخ، والأخطر أنه جعل الناس تبحث عن مراجع التاريخ ، حتى دون المرور بكهنوت المؤرخين ، لتقرأ بنفسها عن شخصيات المسلسل.
و تبسيط الحوار جعل شخصيات مثل الصباح ونظام الملك وعمر الخيام والغزالي مثل أي شخصيات درامية شعبية تماما، ليتناقش الناس حول مواقفها على المقاهي وفي البيوت !
وختم الناقد :
رأسمال أي تنظيمات فكرية مغلقة هو “خصخصة الحقيقة والتاريخ” ، مش بس في الدين زي ماقلت، هو نفس تكنيك الفكرة ” الفاشية “في جوهرها، مهما تنكرت تحت أقنعة وشعارات دينية أو قومية أو سياسية.
لكن الأقنعة الدينية بالذات أوجعت الكثيرين على وجه الخصوص، لأن اللعبة مازالت حاضرة وتمارس بفجاجة مستغلة حالة تغييب العقول، وغياب أي ثقافة دينية أو تاريخية حقيقية، وعدم وجود فكر نقدي من الأساس، في ظل نظام تعليمي تلقيني بائس .
هذا بالضبط سر خطورة المسلسل وليس مسألة تقزيمه وربطه بالاسقاط على تيار بعينه.
” الحشاشين” ببساطة ضرب الأسس الواهية اللي تقوم عليها طريقة تفكير بأكملها عبر إعادة قراءة انتقادية للتاريخ ، وهو أيضا تفكيك شامل للأساطير الكاذبة و”الأباطيل” التي تقود الى استحلال القتل والعنف باسم الدين، وتحت راية الأخلاقي والمقدّس.