مالك خوري يكتب : كلام الفنانة إلهام شاهين وسطحية التعاطي مع الصراع ضد الصهيونية

ساندت شخصيا ومازلت اساند الفنانة الهام شاهين في مواقفها الطليعية في ما يتعلق بدعم الدولة العلمانية ورفضها لفرض الوصايات ومختلف أنواع محاكم التفتيش الدينية على المرأة العربية وعلى كل مجتمعاتنا وعلى ثقافتنا.

كما انني ثمنت عاليا مواقفها الجريئة والشجاعة في ادانة المؤامرة الداعشية الأصولية الهمجية ضد سورية، والتي كانت مدعومة من دول الخليج وحلف الناتو.

لكنني تفاجأت بموقفها غير الموفق تجاه ما يحدث اليوم في فلسطين وفي لبنان.

اذ شعرت بان كلامها عن “السلام” وعن طموحها لدولة فلسطينية تعيش جنبا إلى جنب مع الدولة الصهيونية يساهم (ربما من حيث لا تدري) في تعميق حالة الضياع التي تعيشها قطاعات واسعة من شعوبنا تجاه واقع الصراع التاريخي مع الكيان الصهيوني.

فهكذا كلام يعيد تدوير اوهام قديمة تجاوزها الزمن واثبتت فشلها، وهو لا يساعد مجتمعاتنا التي تعاني من طغيان الاعلام العربي والأجنبي الذي يكاد يكون مجمعا على غسل الحقيقة البشعة للوحش الصهيوني الفاشي وممارساته الاجرامية ضد شعوبنا، والمستمرة خصوصا اليوم في فلسطين ولبنان وسورية.

أنا أفهم أن تعاني أكثرية واضحة من الفنانين العرب هذه الأيام، وبدرجات متفاوتة، من الغباء او الانتهازية او الجهل او انعدام الثقافة خصوصا لناحية استيعابهم للقضايا العامة.

لكن في موضوع فلسطين والصراع مع الكيان، فمن المفترض ان النقاشات والتجارب على الارض قد تمخضت عن فائض من الوعي والفهم مما يجعل مثل هؤلاء اكثر تنورا وجدية في ما يطرحونه.

وأنا لا أشك بأن فنانة مخضرمةبحجم الهام شاهين، هي أشجع وأكثر ثقافة ووعيا من أن تقع في مصيدة تسطيح التعاطي مع قضية بخطورة الصراع الوجودي بين العرب والكيان الفاشي في فلسطين.

منذ معاهدة كامب ديفيد في السبعينات، ثم اتفاق اوسلو واتفاق وادي عربة في التسعينات، تعهدت اسرائيل للأنظمة العربية بدولة فلسطينية، وقضت بعض شعوبنا عقود بانتظار تحقيق هذا الوعد.

شعوبنا أعطت حكامها ما يقارب من نصف قرن ليجنوا ثمار عبقرياتهم في السياسة والبراجماتية والتفاوض نحت لواء الثقة العمياء بالسيد الأمريكي. فماذا كانت النتيجة واين هي هذه الدولة؟!

الواقع هو ان الفلسطينيين لم يحصلوا على اكثر من اراض مقطعة الأوصال يديرها عمدة (او مختار) فاشل لا حول له ولا قوة ويعمل بكل وقاحة كمخبر وشرطي للاحتلال يساهم بقمع واضطهاد شعبه.

أما اسرائيل فقد دأبت لسنين الآن على التأكيد على أنها ترفض هذه الدولة، بل أنها تعمل على استيطان وضم ما تبقى من الأراضي الفلسطينية.

اما السلام الذي توصلت اليه دولتي مواجهة مع الكيان الصهيوني، فلم ترى شعوب هاتين الدولتين من نتائجه إلا المزيد من الفقر والتبعية للبنك الدولي وأمريكا وانهيار الاقتصاد الوطني والجوع والبطالة.

كما شاهدنا خلال هذه الفترة انهيار وتقزيم ما تبقى من حرية وابداع وانجازات في مجالات الفنون والثقافة في بلادنا وكيف جرى تلزيمها “بالجملة والمفرق” بالنهاية لرؤس الاموال الخليجية، والتي تعمل بدورها بالوكالة لمصلحة الصناعات والشركات الترفيهية العابرة للقارات وذات التوجهات الاحادية في تعبيرها عن مصالح الامبريالية وهيمنتها الثقافية والفنية على شعوبنا.

فما هو المطلوب من هذه الشعوب المقهورة في فلسطين، وفي كل عالمنا العربي من الخليج إلى المحيط؟!

ان الكلام الأجوف عن السلام والدولتين لا يستقيم مع دولة استيطانية مصطنعة تم انشاؤها في وسط عالمنا لضمان ابقاء شعوبنا تحت الهيمنة الامبريالية، وبكل الوسائل. فتقوم هذه الدولة بشن الحروب ضد الفلسطينيين في أراضيهم، وضد كل شعب عربي يرفع رأسه دفاعا عنهم. وتعمل هذه الدولة وبلا كلل على تشجيع الانقسامات الطائفية والاثنية، و على محاولة تمزيق دول المنطقة وتهميش جيوشها وسرقة مواردها وثرواتها؟!

الدولة الصهيونية لم تخلق في وسطنا لتبني السلام وتساهم في بناء رخاء المنطقة وتطور شعوبها، بل لتتكفل بابقائنا في دوامة لا تنتهي من الحروب والفتن والتخلف.

تسطيح فكرة السلام للأسف وقعت به حتى بعض الأوساط السينمائية الغلسطينية في السنوات الأخيرة بعدما أضحى هدف جذب بعض الدعم من جهات أوروبية وغربية غاية بحد ذاته.

فكانت النتيجة ازدياد نوع غريب من السينما التي لا هوية لها. فتبعا لطبيعتها وارتباطاتها المالية والسياسية بأدوات تمويل غربية أضحى بعض هذه السينما يروج لرؤى “مبسترة” حول موضوع فلسطين.

وكثرت في السنوات القليلة الماضية الأفلام التي تشدد في مضمونها الفكري العام على الطبيعة “الانسانية” لما يعاني منه الفلسطينيون على يد الكيان الصهيوني. وبالتالي بدأنا نرى موجة أفلام تدين الممارسات “الاسرائيلية” تجاه الفلسطينيين كحالات وضعية ومنفصلة يمكن التعامل معها في اطار تحسينات لأداء الحكومة “الاسرائيلية” في مجال حقوق الانسان. فتبرر هكذا أفلام لايجاد طرق للوصول الى تسوية باتجاه “تعايش السلمي” بين الفلسطينيين و”الاسرائيليين”.

هذه السينما، كما كلام الهام شاهين اليوم, يتفادى طرح الصراع في فلسطين أو المنطقة في سياقه السياسي والتاريخي الأشمل والأعمق، خصوصا لجهة التعاطي مع الصهيونية كحركة كولونيالية استيطانية عنصرية، وعلاقة ذلك بمصالح الاستعمارين القديم والجديد في المنطقة.

كلام الهام شاهين اذا لم يكن في غير محله فحسب، بل كان كلاما مفلسا ويسوق لسردية انهزامية تخطتها المرحلة التي يعيشها الوطن العربي حاليا.

والخيار اليوم هو اما ان ندعم المقاومة من اجل اعادة الحق لاهلة في فلسطين (وبالتالي تخليص هذه الأمة العربية من الوحش الفاشي وبلطجي الاستعمار الجاثم على قلوب شعوبنا)، وأما ان نسكت ونمتنع عن طعن مقاومينا في ظهورهم وهم يخوضون المعركة المحقة والعادلة عن كل هذه الأمة المستكينة والخاضعة.

فكما يقول المثل: إذا كان الكلام من فضة فان السكوت من ذهب!!

 

 

منقول عن مالك خوري