كثيرون حول القهوة .. قليلون حول الشاي

كتبت – إلهام الجمال

من فرط ما يتحدثون عن القهوة وافتتناهم بها اعتقد البعض أن كثيرون حول القهوة، قليلون حول الشاي ..
لكنها الخدعة الكبرى التي روجها من يتصدرون المشهد من المثقفين والسياسيين.
فلو اطلقت سراح نظراتك بحيادية كاملة سوف تعرف وتتأكد أن العكس هو الصحيح.

فالشاي يا عزيزي المشروب المفضل لملح الأرض .
فالصباح لا يحلو الا بكوب الشاي باللبن. والتركيز لا ياتي الا بمجئ كوباية شاي على ماية بيضا ..

وجلسات المساء لا تكتمل الا بصحبة رشفاته الدافئة.

الشاي دليل الكرم في الريف.. ف(تعالى نورنا الشاي ع النار) دعوة أصحاب البيوت مفتوحة الابواب لكل عابر ..

دعوة صادقة لا تعرف عزومة المراكبية.
ودماغ الصعايدة لم تصبح مثل صهر الجبل الا بالشاي الصعيدي المغلي حتى قطع انفاسه.
وحلاوة الزردة البدوى اقوى دليل على حلاوة عيشة الحرية ..
كوباية الشاي ساعة العصاري على باسطة السلم مصحوبة برائحة طبيخ الأمهات تفتح ابواب البيوت لنميمة محببة وحكايات لاتنتهي.

حتي عندما أراد المصري الفهلوي تحليل الرشوة ربطها بالشاي .. فعبارة (الشاي بتاعي يابيه) اكبر دليل على فهم المصري لسيكولوجية أخيه المصري . فقد اختار مشروبه المفضل ليكون اقصر الطرق لجيبه .

الشاي شريك المصريين الشاهد على سهراتهم واتفاقاتهم وفض نزاعاتهم .. شريك الفرح والغضب والضحك والمذاكرة والتفكير في القرارات المصرية ..

رفيق البرد.. فحرارته العابرة لجدران الكوب الزجاجي تخترق حدود الجسد لتستقر في قلب الروح تمنحها دفئا منقطع النظير..

الشاي رفيق سهر الخفير وشريك دكة البواب ومهون الشيله على الفواعلي . يتقاسم غبار الشارع مع الصناعي ..

فهو مشروب تليق لسعة حراراته بخشونة أيديهم الشقيانه .. ويناسب مذاقه ثقافتهم الشعبية البسيطه ..

مشروب واضح النكهة وصريح المذاق لا يعرف التلون ولا تقلب المزاج .. ولا الادعاء لذلك اختاره الشاعر شوقي حجاب ليكون بطلا لاغنيته الشهيرة (انا انا ابريق الشاي) التى أصبحت مع الوقت أيقونة الطفولة البريئة.

ثم (فنجان شاي مع سبجارتين مابين العصر والمغرب) كانت إشارة النضج التى لازمت شباب السيتينات بصو ت محمد الموجي.

الشاى كان ولا يزال رفيق الأحبة في همسهم ولا دليل اكبر من صوت فايزة أحمد وهى تشدو بدلال (قاعد معاي وينقسم اللقمة ونضحك وبنشرب شاي )
حتى جاء حمادة هلال معبرا عن تغير الزمن وارتباط الشاي بالهم والمشاكل والجري خلف لقمة العيش.وهو يغني لاهثا (تشرب ايه اشرب شاي)
..

كل من يعرفني عن قرب يعرف مدى هوسي بالشاي كمشروب وقعت في غرامه دون قصد ولا اعرف السبب إلى الآن سوى أنه يشبهني في وضوحه.
لم التفت يوما للقهوة ولم تغريني رائحتها ولا مذاقها بالرغم من كوني محسوبة على المثقفين الذين ارتبط وجودهم ارتباط شرطيا بالقهوة وفيروز ولا اعرف سببا لذلك ..

يتغنون ليل نهار بجمال القهوة وروعة مذاقها .. يشبهونها بالانثى حينا ويعتبرون مذاقاتها المختلفة كلمة السر لفك شفرة النفوس.
كل ماسبق اعتبره هرتلة لا اساس لها من الصحة.
فعشاق القهوة في رأي لا يختلفون شيئا عن مشجعي النادي الأهلى يعانون من نفس التعالي والغرور.

يرون أنهم مختلفون عن البشر . ويكفي شعارهم الاشهر الأهلى فوق الجميع . ..وهي الكذبة التي صدقها مروجيها ..كما صدق عشاق القهوة انها هي المشروب الأهم والأعظم ..

متناسين أن الشاي هو الأوسع انتشارا والاكثر تأثيرا وبقاءا .. فيكفي أنه مزاج الشعب ومزاجي المفضل.