هل تخوض مصر الحرب لو خذلها مجلس الأمن في قضية سد أثيوبيا ؟

في مقال ضمن سلسلة الاضاءات التي نقتبسها من فيس بوك، كتب ايهاب فايد سطورا يجيب فيها عن السؤال الخطير هل تخوض مصر الحرب قريبا بسبب المياه ؟

في ظل ما أنت منشغل بكوبري الهرم..هناك أزمة مصرية تصل لمحطتها الأكثر خطورة..

مصر أرسلت خطابًا لمجلس الأمن بشأن تعنت إثيوبيا في بناء سد النهضة..

خبر ربما تكون قد قرأته قبل أيام، لكنه ليس اعتياديًا، لأنه الخطوة الأخيرة المتاحة لأي حل دبلوماسي وسلمي للأزمة.

مصر تنازلت لإثيوبيا عن كل ما يُمكن التنازل عنه..أديس أبابا رفضت كل إطار تاريخي سابق يُحدد التزامات مصر والسودان المائية بموجب اتفاق 1959.

وأصّرت علي حقها في بناء السدود علي مجري النيل الأزرق، دون تطبيق قاعدة الإخطار المسبق.

بل وحشدت لأجل ذلك دعمًا من 5 دول من حوض النيل، أنتج إتفاقية عنتيبي.

ثم بدأت الإنشاءات ووجدت مصر نفسها في مأزق عتيد.. الجنرال السيسي وقّع إعلان المباديء عام 2015.

وكان بمثابة ترخيص مصري رسمي لإثيوبيا بحق البناء، مع عدم النص علي حق مصر التاريخي ب 55,5 مليار متر مكعب..

علي أن تدخل الأطراف الثلاث المصرية والإثيوبية والسودانية في مفاوضات فنية، لتحديد قواعد ملء وتشغيل السد، بما يُقلّل الخسائر المائية الحتمية علي مصر.

الجنرال السيسي أهدر 5 سنوات كاملة في المفاوضات

والنتيجة إعلان فشل التوصل لإتفاق في أكتوبر 2019..

مصر شرّعنت بناء السد، ونقلت النقاش حوله من القانوني للفني.

وقبلت التفاوض علي حصتها المائية بالنقصان وإثيوبيا ما زالت ترفض..

كان لابد إذن من التصعيد، باستخدام المادة العاشرة من إعلان المباديء، التي تنص علي اللجوء للتوفيق والوساطة، فاستدعت مصر الجانب الأميركي.

وانخرطنا ابتداءً من نوفمبر 2019 في مائدة مفاوضات برعاية الخزانة الأميركية والبنك الدولي، وتوصلّت الدول الثلاث المعنية لمسودة إتفاق.

وقّعت عليها مصر بالأحرف الأولي، ثم فجأة انسحبت إثيوبيا من المسار التفاوضي ورفضت التوقيع في فبراير 2020.

 

بل والأكثر وقاحة

أنها اعتبرت نهر دولي بمثابة بحيرة داخلية، يحق لها التصرف في إقامة خزانات مائية علي ضفافه، في إنتهاك لكل الإتفاقات المتعلقة بتنظيم استخدام المجاري المائية الدولية.

وإزاء ما سبق لجأت مصر للخطوة الدبلوماسية الأخيرة المتاحة..التصعيد لأعلي درجة في مجلس الأمن بإرسال خطاب يوضّح موقفها.

وتنتظر ردًا إثيوبيًا، ثم مداولات في المجلس.

الأمل الوحيد المتاح هو استصدار قرار من المجلس بوقف الإنشاءات في السد، واعتباره مهددًا للسلم والأمن الدوليين.

والعودة لطاولة المفاوضات من جديد، لحين الإتفاق علي قواعد الملء والتشغيل، والتزام إثيوبيا بالتوقيع علي إطار واشنطن.

وهنا سيتضح بالفعل وزن مصر الدبلوماسي والسياسي..

الأمر لا يتعلّق فقط بالشرعية القانونية التي تمتلكها القاهرة، والتي لا مجال للمحاججة بشأنها.

بل ستحدد أقطاب العالم قراراتها بناء علي الأوزان السياسية والمصالح المشتركة التي تجمعها بطرفي النزاع.

وهنا سنعلم تمامًا..ما إذا كانت مصر قد استثمرت جيدًإ في سياستها الخارجية طيلة عهد السلطة الحالية لحد نيل تأييد الأقطاب الكبار؟ أم أن إثيوبيا – بحجم ما تمتلكه من مصالح استراتيجية مع الولايات المتحدة، التي وضعت اللبنة الأولي لمشروع السد عام 1964، والتي تعتمد علي أديس أبابا تاريخيًا كمخلب للمحطات التجسسية والنفوذ العسكري في شرق إفريقيا، وبحجم ما تمثله للصين التي تستثمر في بنيتها التحتية زهاء 5 مليار $ – أم أن إثيوبيا تلك، هي من ستحشد المجتمع الدولي في صف قضيتها الجائرة.

الأمر الذي يضاعف الضغوط علي القاهرة لتسريع حسم الملف، بعد استتنزاف المفاوضات من إعلان المباديء إلي مائدة واشنطن.

هو إعلان أديس أبابا علي لسان وزير المياه، عن نيتها في ملء السد منفردة بعد شهر من الآن، بعد أن أكلمت 87% من الإنشاءات في جسم السد.

وذلك بالمخالفة لما وقّعت، هي نفسها، عليه في إتفاق المباديء في المادة الرابعة المتعلّقة بالإستخدام المنصف والمعقول.

والمادة الخامسة الخاصة بالإتفاق علي الخطوط الإرشادية لعملية التشغيل..

وهدفها الأوحد من وراء مشروعها العدواني ليس التنمية كما تشيع..

إثيوبيا لا تعاني من مشكلات في مصادر المياه .. هل تخوض مصر الحرب

حيث تحتوي علي 12 نهرًا و11 بحيرة عذبة و4 بحيرات بركانية، ويصل المعدل السنوي لسقوط الأمطار نحو 1200 مم.

في حين تبلغ كمية الأمطار الواقعة سنويًا علي الهضبة الإثيوبية 935 مليار متر مكعب، يذهب منها فقط 10% لمجري النيل..

لكنها تُعاني من مشكلات جمّة في قطاع الكهرباء، وترزح تحت وطأة أزمة طاقوية، حيث يعيش 80 % من شعبها بدون إنارة.

لكن القاهرة لم تُصادر حقها في توليد الكهرباء لأغراض الإنارة المنزلية والتنمية الصناعية.

بل اقترحت مشاريع للربط الكهربائي والمشاركة في تعظيم كفاءة الموارد المتاحة بين دول حوض النيل كافة، ووافقت علي المادة الثالثة من إعلان المباديء .

وهي ‘‘مبدأ التنمية والتكامل الإقليمي والإستدامة‘‘، والقائلة بأن

‘‘ الغرض من سد النهضة هو توليد الطاقة، والمساهمة في التنمية الإقتصادية، والترويج للتعاون عبر الحدود والتكامل الإقليمي من خلال توليد طاقة نظيفة ومستدامة يُعتمد عليها‘‘

.. وكل ما طالبت به في المقابل هو تأمين نصيبها من مياه النيل الأزرق والذي يُمثل 80% من مصادر المياه المصرية.

وتفاوضت علي شروط الملء والتخزين، بحيث لا يضر حجز المياه في فترات الجفاف والجفاف الممتد بأمنها المائي والزراعي.

لكن أديس أبابا ترفض لأن أهدافها أبعد بمراحل من التنمية المحلية، وتتركّز حول احتكار المياه والكهرباء لتصدير 10,000 ميجاوات سنويًا لدول الجوار.

بحيث تغيّر من الخريطة الهيدروليكية والإستراتيجية في منطقة حوض النيل، وتتحكّم في مصادر الإعاشة والإنارة لدول المصب.

إثيوبيا المتبجّحة هي من يقود للتصعيد ‍!

وليس أي طرف آخر..ولو فشلت خطوة التصعيد لمجلس الأمن، سيكون ذلك إيذانًا بانتهاء كل المسارات الدبلوماسية ..

ولن يكون هناك سبيل آخر سوي الحرب وضرب إثيوبيا في السد والعمق..

البديل الوحيد للحرب هو قبول الآثار الكارثية التي سيعلم المصريون الغافلون اليوم قيمتها جليًا بعد أشهر من عجز مائي سيتفاقم في دولة تُعاني أصلًا من عجز مُقدّر ب25 مليار متر مكعب.

ودخل مواطنوها حاجز الفقر المائي الشديد ب 600 متر مكعب سنويًا، ومن بور مليوني فدان من الأرض الزراعية، وخسارة ملياري $ من الناتج القومي.

والأسوأ أن استسلام مصر للإرادة الإثيوبية، سيرخص لها ولباقي دول حوض النيل، وبدون ضوابط، إنتهاك أي حقوق أخري مشروعة لمصر.

وسيكون سد النهضة هو الحلقة الأولي فقط ضمن سلسلة كوارث مائية وسياسية وجيوستراتيجية لاحقة تعصف بمصر.

خصوصًا وأن سد النهضة ليس هو المشروع الوحيد الذي تنوي إثيوبيا تنفيذه، بل هو أحد 4 سدود كبري (كانت قد حدّدتها بعثة الإستصلاح الأميركية عام 1964)..

السدود الثلاث الأخري هي علي النحو التالي... هل تخوض مصر الحرب

سد بيكو آبو ومندايا وكارادويه إضافة إلي سد النهضة الأكبر من حيث السعة التخزينية..

ماذا لو قامت إثيوبيا بإنشائها جميعًا وتشغيلها خلال فترة تمتد لأربعين عامًا؟

سوف تحتجز تلك المنظومة الهندسية من السدود زهاء 200 مليار متر مكعب من المياه، وإذا ما استخدمت إثيوبيا السدود بكامل طاقتها في توليد الكهرباء.

سيبلغ العجز المائي لمصر رقمًا يتراوح بين 8-14 مليار متر مكعب، فيما ينخفض إنتاج الكهرباء من السد العالي وخزان أسوان بنحو 500 ميجاوات.

أما إذا استخدمتها إثيوبيا لأغراض الري، فسوف يبلغ العجز المائي لمصر نحو 19 مليار متر مكعب، مع تضاعف النقصان في إنتاج الكهرباء من السد والخزان ليصل إلي نحو 1000 ميجاوات.

وفقًا لما يذكر د. زكي البحيري في مؤلفه ‘‘مصر ومشكلة مياه النيل: أزمة سد النهضة‘‘ ص.ص 485-488 من الفصل العاشر ‘‘أزمة سد النهضة والسدود المرتبطة به‘‘.

خمس سنوات ولم يعد هناك المزيد للتنازل عنه لإثيوبيا للحفاظ علي أطر التعاون السلمي بين دول الحوض..

خمس سنوات كشفت فيها أديس أبابا عن نيتها الحقيقية، إذعان مصري كامل لشروطها، وليس تفاوضًا لإعادة ترسيم الحقوق المائية..

خمس سنوات وأصبحنا علي بعد خطوة واحدة فقط قبل الحرب أو الإستسلام أمام أخطر ما يُهدد مصر في تاريخها..

وكلاهما مُر..لكن الحرب هي الأقل مرارة، وإن وقعت، فلا يُمكن لأحد علي وجه الأرض لوم القاهرة، مهما كانت التبعات.