أجمل ما كتب عن أثر الفنان : لا يودع الناس فنان في موته .. إنما يودعوا معه جُزء من حياتهم كاملة

في نص بديع من أجمل ما كتب عن أثر الفنان على الجمهور، سطر حسن الدين هذه السطور المؤثرة عبر صفحته الشخصية في فيسبوك :

 

يُخبرني والدي أن جنازة عبد الحليم حافظ كانت حاشدة ، و إنتحرت فتيات و إكتأب شباب لسنوات بعدها ، بينما إنبهر بوب ديلان بجنازة أم كلثوم ،

و كيف لأربعة مليون من البشر أن يٌشيعوا مُطربة لثلاث ساعات في شوارع القاهرة بعويل و بكاء طفل فقد أمه.

جمالية الفنان أنه رُغمًا عنه يصير شيء أكبر بكثير من بشريته ، لا يودع الناس فنان في موته ، إنما يودعوا معه جُزء من حياتهم كاملة ،

يتغلغل عبد الحليم و أم كلثوم في قصص حُب مراهقين صاروا عجائز الآن ،

لكنهم مثل أبي كلما إستمع لأم كلثوم يعود بعينيه مُراهقًا من جديد ، يؤتمن الفنان على خزائن شعورية و ذكريات في قلوب شتى ، يصير موته ذبول لتلك الخزائن .

لا توجد علامة فارقة تُخبرك عن عصر جديد يأتي و عصر قديم يموت قدر موت فنان و أديب . لإنه كان صوت حقبة أو كلماتها ، لو كانت العصور كيانات فالفنانين حواسها ، وبفقدان الحواس يموت عهد بأكمله .

لكن

يحمل الفنان رمزية جماعية تُثقله مهما ذكر مرارًا أنه بشر ، يُخبرني أبي كيف حطم الناس السينما عندما تلقى فريد شوقي قفا في فيلم الفتوة ، ثم حطموها من جديد

عندما تعرض للضرب في فيلم باب الحديد حد أن أخبره أحدهم في برنامج إذاعي أن جمهوره سيُرسل له المال لكي يكف عن أداء أدوار كتلك لإن حسب تعبيرهم ” الملك مينضربش ” .

هو رمز الإنتصار و العنفوان الرجولي لا يحق له خذلان المٌخيلة الجمعية.

في الصور يتحول الجنود الجرحى في حضور فاتن حمامة لشُبان متوردي الوجوه خجولين ببهجة لا تُخفى ، ليست جمالية فاتن ذاتها قدر رمزيتها ،

الملاك الأنثوي الحاضر في مُخيلة جيل كامل و حبه العفيف يأتي ليمنح بطولتهم مشهدية .

لأن أثر الفنان

أتذكر وثائقي لجنود قُدامى من فيتنام ، يحكي أحدهم كيف أتت الأخبار و هم في الخنادق و الغابات أن الشباب يثور في الوطن ضد الحرب و يراها حرب عبثية ،

قال الرجل أن الجنود سخروا و بصقوا و سبوا الشباب وقالوا إنهم هيبز مخمورين ،

لم يبكي جُندي واحد لتلك الأخبار إلا لما رأوا صورة جين فوندا ، المُمثلة الأمريكية الأوسكارية ذات الأنوثة الطاغية ،

الحلم المُتمنى لجيل شباب أمريكا في زمن فيتنام ، كانت تزور هانوي و تتعاطف مع فيتنام ضد الإمبريالية الأمريكية ،

عندها بكى الجندي و زملاؤه ، لإن جين الحبيبة خذلتهم و أخبرتهم ما تهربوا من سماعه ، أنهم سيموتوا في حرب عبثية و لن تُشيعهم أي محبوبة .

قد لا يبدو الأمر عادلًا لكن الفنان هو المرآة التي تتجلى عليها هواجسنا ، أُمنياتنا ، رمزياتنا الثقيلة ،

إنتصارنا ، هزيمتنا ، صوت قصص الحب ، هو الصورة التي نحتاجها من الواقع لنُكمل سيناريوهات المُخيلة . و بموت الفنان يموت جزء فينا.