تحقيق : السينما والرواية .. خصام متى ينتهي ؟

تحقيق : السينما والرواية .. خصام متى ينتهي ؟

بمجرد أن أدرك النقاد خصوصية العلاقة التفاعلية بين السينما والرواية كونها أقرب الأجناس الأدبية لترجمتها الى صورة متحركة في الفن السابع

لم يتوان المنتجون في العمل على اقتباس روايات اأدبية مشهورة وتحويلها الى أفلام سينمائية

ما جعل رقعة المساحة الجماهيرية للسينما والرواية تتسع على حد سواء.

ومنذ ظهور السينما من أكثر من قرن، استفادت السينما من الفنون جميعها، نجحت في أن تشكل معها علاقة خاصة تأثيرا وتأثرا؛

تماما كما فعلت مع الأجناس الأدبية، وخاصة منها الرواية.

فالسينما في مراحل من تاريخها قدمت أعمالا فنية تعتمد على روايات مشهورة، منها التي استثمرت النجاح الجماهيري للرواية،

وهو حال روايات مثل عمارة يعقوبيان، والفيل الأزرق. ومنها التي منحت الشهرة للرواية ولصاحبها مثل سلسلة أفلام هاري بوتر البريطانية للروائية جيكي هونكنج، التي كانت مغمورة قبل عرض الفيلم.

في المقابل عربيا، نجد في العقد الأخير ودون منازع رواية الفيل الازرق لكاتبها احمد مراد، التي سجلت أكثر المبيعات في مصر عام 2013 قبل أن يحولها مراد الى فيلم لقي هو ايضا نجاحا كبيرا.

في كل الأحوال ان عملية تحويل روايات أدبية الى عمل سينمائي شجعت جمهور القراء الى العودة الى الكتاب والرواية الاصل بعد مشاهدة الفيلم

وأسهمت بذلك في جعل الأدب في متناول الجميع وفي الرقي بالذوق العام الفكري والثقافي للمجتمع ككل

كأن الروائي والسينمائي يتحدان على اختلاف طرق تعبيرهما، من أجل الدفع بالمشهد الثقافي قدما، والحلم بتغيير مثالي ممكن يمس عمق الذات بالمجتمع.

اليوم مع غياب الأدب والرواية عن السينما وحتى التلفزيون، تتراجع قيمة المضمون لأغلب الانتاجات الفنية، ما يطرح عديد من التساؤلات حول هذا الغياب وسر استمراره.

 

نسيم عباسي : نفتقد الروايات الصالحة والكتاب المهرة

 

أهم وأول سؤال هو هل كل رواية قابلة لتحويلها الى عمل درامي ؟ الاجابة كانت عند المخرج المغربي نسيم عباسي الذي قال :

طبعا ممكن تحويل الرواية الى فيلم، ولكن ليس أي رواية، وليس بواسطة أي كاتب، فالشرط الأهم لنجاح عملية التحويل

هي ان يجد السيناريست مدخلا لاستكشاف العمل بشكل مصور، وان يكن في الرواية ما يساعد الصورة على بناء ذاتها

في هذه الحالة الطرفان يستفيدان، فالرواية لها اسلوب تكتب به، وتعتبر هي أفضل وسيلة لتوزيع خطاب يمر عبر الكلمات

أما في السينما الخطاب يبث عبر صناعة الصورة، فالسينما تصل الى الوسط الذي لا يقرأ، وهذا الوسط لا يحتاج كثيرا من السرد والمبالغة

,عملية التحويل مرهونة دائما بصلاحية الرواية ومهارة من ينقلها.

رامي عبد الرازق : انتاج الروايات نادرا لأنه يحتاج سيناريست ذو خبرة خاصة

أما الناقد رامي عبد الرازق، فلم ينكر أن السينما منذ وقت طويل هجرت الرواية، باستثناء أعمال قليلة، فيقول : السينما تنتج رواية كل سنوات طويلة .. ولو نظرنا الى عدد الروايات التي تتطبع كل عام، واضعين في الحسبان حجم التراث الروائي الضخم لدينا، سنجد أن انتاج السينما للروايات يكاد يكون نادر، بالتالي فالتصدي لتحويل أي رواية يحتاج خبرة خاصة من السيناريست، خاصة اذا كانت رواية صعبة مثل روايات نجيب محفوظ مثلا والتي أغلبها يحمل الكثير من المجازات والتأويلات والاسقاطات سواء على المستوى السياسي أو على المستوى الديني كما تم تفسيرها .. من يتصدى لرواية مثلها لابد أن يكون عمل قبلها الكثير ووصل لخبرة تجعله يتمكن من تحويلها.

محمود قاسم : الرواية المصرية قوية لدرجة تصديرها لمخرجين عرب وأمريكان

أما الناقد محمود قاسم، فقال إن أفضل أفلام السينما هي تلك المستندة على روايات، وإن أقوى الأفلام في تاريخ السينما بشكل عام هي تلك التي يكون فيها مؤلف القصة ليس هو المخرج. وأضاف : لو نظرنا لتاريخ السينما المصرية سنجد أن أغلب الأفلام القوية مأخوذة عن نصوص أدبية. من منا لم يشاهد فيلم شباب امرأة لصلاح أبوسيف. هذا الفيلم لم يستند على رواية، لكنه قام على سيناريو كتبه المخرج مع كاتب قصة قصيرة هو أمين يوسف غراب. وبعد أن قدم الفيلم، تم تحويله إلى رواية وهذا أمر نادر في تاريخ السينما. وقوة الرواية المصرية وصلت حد انها كانت مرجع لمجموعة من المخرجين الأميركيين والعرب ممن قامت أعمالهم على سيناريوهات مأخوذة عن روايات أدبية.

 

من الأقوى ؟

دائما ما يطرح السؤال عن صاحب الأثر الأقوى، السينما أم الرواية ؟ قاسم قال :

متعتي منذ أن كنت صغيراً، أن أقرأ الروايات ثم أشاهد الفيلم المأخوذ منها واستمتع بالاثنين. متعتي تأتي من اكتشافي للفروق بين الاثنين.

ومن أهم الروايات التي يمكنني ذكرها كمثال هنا رواية المستحيل للكاتب مصطفى محمود التي أخرجها حسين كمال في فيلم قدم من خلالها تجربته التجريبية في السينما، وقدم من خلاله أيضاً المصور عبدالعزيز فهمي ما يسمى بلعبة الكاميرا.

ويضيف : قرأت الرواية أولاً، ثم حين شاهدت الفيلم أذهلني الفيلم واكتشفت أن المصور ساحر. كذلك حدث الأمر لي مع رواية في بيتنا رجل لإحسان عبدالقدوس، وعند ذلك المشهد الذي يدور فيه حوار بين عبدالحميد ونفسه، ويمثل دوره رشدي أباظه. هذا المشهد لم يكن بالإمكان تصويره أو أن تنقل الكاميرا الحوار الداخلي الذي يدور في داخل نفس الشخصية، إلا إذا نطق بها الممثل.

أما عن الأفلام التي ظلمت الروايات الأصلية كما حدث مع رواية شفرة دافنشي

حيث ظلم الفيلم الرواية التي تحمل جمالية خاصة بتفاصيلها فيما جاء الفيلم استعراضياً هزيلاً، قال قاسم :

نقطة تفوق الفيلم على الرواية أو تفوق الرواية على الفيلم تعود في الأساس إلى كاتب الرواية والمخرج. هناك فارق شديد وخلاف شديد وكراهية بين كتاب الأدب وكتاب السيناريو.

أما شيفرة دافنشي وفيلمها، فالرواية عبارة عن مجموعة من الأفكار الجميلة والجريئة والمعلوماتية والرؤى الفلسفية والدينية

ولا يمكن تحويل كل هذا إلى فيلم. وبالتالي تحول الفيلم إلى أكشن ومغامرات ومطاردات.

المخرج كان شاطراً إلى حد ما لكنه بأي حال من الأحوال لم يتمكن من إيصال مسألة شفرة دافنشي وقصة تابعي المسيح الاثني عشر، وصورة مريم المجدلية في لوحة العشاء الأخير. ستبقى هذه الرواية قمة أعمال دان براون.

والسينما لم تستطع أن تطال قامة الرواية. بشكل عام ليس هناك قاعدة لهذا الأمر

لكن هناك مخرج قوي وآخر ضعيف وكاتب سيناريو قوي وآخر ضعيف.

 

رأي الأدب

الروائي والكاتب الكبير بهاء طاهر من جهته يرى أن تحويل الأعمال الروائية إلى درامية مفيد للمشاهد ولكن ليس أكثر من أصحاب الأدب أنفسهم، حيث قال : أعتقد أنها تفيد الأعمال الأدبية فائدة كبيرة بسبب الظاهرة المؤسفة التي نعيشها. وهي ظاهرة أمية المتعلمين الذين لا يقرؤون، وربما يتوقف الأمر على من يقوم بمعالجة هذه الأعمال دراميا سواء للتلفزيون أو للسينما، ومدى قدرته على استلهام الأفكار الأساسية في العمل الذي يعالجه.

بهاء طاهر : الرواية تستفيد أكثر بسبب من لا يقرأون

وأضاف : بعض المؤلفين كانوا يرفعون دعاوى  قضائية على المخرجين لتشويههم النص الأدبي

لذلك على من يقدم العمل أن يكون موهوبا،  وقد كانت لإسماعيل عبد الحافظ تجربة في تحويل رواية “خالتي صفية والدير” إلى عمل درامي

وكان لها مردود هائل في الأقصر وفي المجتمع الصعيدي وما زالوا حتى الآن يحبون هذا المسلسل.

 

نقلا عن احدى مطبوعات الهيئة الوطنية للصحافةق : السينما والرواية .. خصام متى ينتهي ؟