ممدوح المنجومي يكتب : مهرجان البحر الأحمر ابن سفاح ولو كان رداؤه رداء سوبر ستار

ليس فقط احتراما للجيرة، ولكن انتصارا للقومية العربية ومن قبلها الانسانية .. كانت قرارات جمهورية مصر العربية مؤخرا لصالح القضية الفلسطينية، وعاكسة لتعاطف كبير، على عكس المملكة السعودية، وعلى عكس مهرجان البحر الأحمر تحديدا.

هذا المهرجان الذي نشأ من اللاشيء لا أصل له ولا جذر مثل ابن السفاح، فقط أموال كانت تستثمر بالأمر عند جيرانه، وانتقلت بالأمر أيضا لتدفع له ثمن ميلاده وتنميته أيضا.

رغم كل المآخذ على هذا المهرجان، إلا أن القائمين عليه بذلوا جهودا كثيفة لصناعة صورة لامعة له أمام العالم في دوراته الأولى.

صورة لامعة لم تنجح في اخفاء باطنه المجوف ولا الستر على طاقمه المعيوب.

انطلقت السعودية من اليوم الأول في عملية ملأ سلة الشراء مثل امرأة حديثة الولادة، مدفوعة بفعل الهرمونات للتجول بطريقة هستيرية على مواقع الشراء بحثا عما يروي ظمأها الأبدي ويملأ جوفها الفارغ.

ونجحت السعودية بالفعل في تصدير ابن السفاح على أنه سوبر ستار، التف به الكثير، وامتنع عنه أيضا الكثير.

هذا الامتناع كشوكة في حلق السعودية، يحاولون عكسه بأي طريقة مهما كان الثمن، وآخر المحاولات كانت بتعيين مديرة للمكتب الفني للمهرجان، معروفة في أوساط السينما العالمية

وبعد تعيينها بقليل دخلت في مجتمع الجولدن جلوب، لتضع المهرجان معها على خارطة العالم الأكبر وتعرفه الى مزيد من الكبار في هذا المجال.

 

لماذا مستحيل الغاء مهرجان البحر الأحمر ؟

يقف وراء عدم الغاء مهرجان البحر الأحمر هذا العام أسباب عديدة، على رأسها هو العناد مع مصر نفسها، فمصر التي تقف على حافة السلام حاليا مع عدوها الأبدي، لجأت لتنكيس الأعلام مجازيا

ووأد الاحتفالات والغاء أي مظهر للفرحة أو الاستمتاع.

ألغت رسميا كل مهرجاناتها الفنية، وهي كثيرة بالمناسبة.

ألغت حتى الجونة السينمائي رغم أنه مهرجان خاص بمال خاص.

هذه الالغاءات كانت طريقة من طرق مصر للإعلان عن أن في عروقهم دم، دم حقيقي، وتحركه مشاعر .. مشاعر لبني آدمين حقيقيين يتحركون مع رؤية ألم الغير ويتعاطفون ويتدخلون ويتفاعلون.

بشر تضع الاعتبارات للانسان على حساب رأس المال، وبشر يشعرون بالثبات والثقة لا الخوف والزعزعة.

مصر لم تلغ احتفالاتها بدعوة من أحد، بل بدافع “وفرة الدم”، ولكن المملكة التي اندفعت في شحن أقلام كتابها “الملاكي” من شهور للهجوم على مصر، رأت في استمرار احتفالاتها وفعالياتها شكل آخر من أشكال العناد مع مصر ..

هو تصرف يقول “نحن لسنا معكم ولا حتى في مواقفكم الانسانية .. ونحن فوق الجميع ولا نأخذ صف أحد”.

ولكن على مسافة من السبب السياسي، وأن المملكة في الحقيقة تستعدي جماعة حماس وتشتري ود الولايات المتحدة، فأن هناك سببا آخر شخصيا لاستمرار هذا المهرجان اليتيم.

 

الصورة أمام الغرب

السبب الثاني للاصرار على عقد المهرجان هذا العام، دون حتى أية نية لالغاء مظاهره الاحتفالية أو سجادته الحمراء، هو الترسيخ لصورة ايجابية للسعودية أمام العالم.

فالملك محمد بن سلمان لا يدخر جهدا في صناعة صورة حديثة لمملكته، تزور عاصمتها فتجد نفسك في مدينة تشبه إلى حد كبير العديد من المدن الأمريكية الكبرى:

ناطحات السحاب، والشوارع متعددة الحارات، والسلاسل الغربية، وحركة المرور الكثيفة.

ويليها جدة التي تحتضن مدينة تاريخية مدرجة على قائمة اليونسكو للتراث العالمي، وهي عبارة عن مجموعة متشابكة متعرجة من الأسواق والمساجد ومنازل الأبراج متعددة الطوابق

المبنية من الحجر المرجاني مع شرفات مغلقة من خشب الساج الشبكي.

جدة التي يقام فيها المهرجان، تشهد على فعالياته التي تعج بالحياة، فرق موسيقية تعزف الموسيقى، طهاة يقدمون أشهى المأكولات السعودية، فنانين يتباهون بفنونهم أمام موجات من الحشود المتسكعة من الرجال والنساء والعائلات.
كل هذا ستراه في بلد كان الفن والموسيقى والسينما محظورًا حتى وقت قريب، ولكن كل هذا تغير بسبب محمد بن سلمان صاحب رؤية 2030، التي تنطوي، من بين أمور أخرى، على ثورة ثقافية تغير جوانب كثيرة من الحياة والمجتمع السعودي.

وقد جعلته ثورته يحظى بشعبية كبيرة بين الشباب السعودي التقدمي. وحتى أولئك الذين لا يوافقون على حربه في اليمن وقمعه لأي انتقاد، مستعدون لمنحه فرصة.

“إنه يحكم بقبضة من حديد”. لكن ربما تكون هذه هي الطريقة الوحيدة لتفعيل مثل هذه الإصلاحات المتطرفة في مجتمع محافظ للغاية.

وبالمناسبة يرى الشباب السعوديون أنه ثمن بسيط يدفعونه مقابل ما حققه لهم. فهو أفضل قائد منذ تأسيس المملكة لأنه على عكس الآخرين، الذين اعتادوا أن يكونوا في سنوات الخريف من حياتهم، فهو شاب ومتشوق لتحديث البلاد.

ولكن في المقابل، لازال الكثيرين في الغرب ليسوا على استعداد لمسامحة محمد بن سلمان على مقتل الصحفي والناشط السعودي جمال خاشقجي

في سفارة المملكة في تركيا عام 2018، على يد عملاء حكومته؛ ويرفضون العمل معه.

ومن بين هؤلاء هوليوود التي قاطعت المهرجان، باستثناء نجمين هما هيلاري سوانك وأنتوني ماكاي، اللذين حضرا المهرجان في أولى دوراته.

هذه المقاطعة هي الشوكة التي لازالت تقف في حلق السعودية، رغم كل ما حققته المملكة مؤخرا من التقدم، ومن الحريات.

ومقاومة هذه المقاطعة هي سبب ثاني كافي لعدم خفض المهرجان رأسه لأي سبب محتمل في المستقبل.